فاروق حسني: متى تعلمت الممثلات الدين حتى يصبحن داعيات؟
اشاد وزير الثقافة المصرى فاروق حسني بالدور الكبير الذي تقوم به صاحبة السمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند حرم سمو امير البلاد المفدى في دعم ورعاية للمؤسسات الثقافية والتعليمية. مؤكدا ان هناك نية واصرارا من دولة قطر لتدخل فى بنية المؤسسات الثقافية الكبيرة، حيث اصبح متحفها يضم اعمال اهم مشاهير الفنانين التشكيليين فى العالم العربى، بما يميزها ويجعلها الدولة العربية الوحيدة التى تمثل هذه الاعمال الفنية. ونوه في حوار شامل مع الشرق بما تتمتع به- دولة قطر من ارث ثقافى متميز، سواء فى اقامة المتاحف ومن بينها المتحف الاسلامى الذى سيتم افتتاحه قبل نهاية العام، او من المكتبات الثقافية التى بدأت تنتشر فى الدولة، معربا حرصه الشديد على دعم التعاون الثقافى مع قطر، وانه يتمنى ان يتم توقيع مذكرة لتعزيز التعاون الثقافى بين البلدين.
وخلال حديثه ل (الشرق) تطرق الوزير الى ما اثير على الساحة المصرية مؤخرا من جدل حول الحجاب، وما تردد عن صراعات داخل الحزب الوطنى الحاكم، كان هدفها الوزير شخصيا، وهو الذى يقضى فى منصبه 20 عاما ولايزال، وهو ما كان دافعا للاستفسار منه عن سر بقائه فى منصبه طوال هذه المدة. ولم يتوقف الحديث عند هذا الحد، بل تعداه الى مظاهر الجدل الاخرى التى تدور حول الوزير فاروق حسنى ودخوله فى معارك وجدله مع معارضيه، مما دفعه الى التأكيد بأنه ليس مشاكسا ولا يفتعل المعارك، الا انه قال انه يرحب بهذه المعارك، وانه ينتصر فيها.
ومن القضايا التى طرحت نفسها على مائدة الحوار مع من يلقب فى الحكومة المصرية بعميد الوزراء، لاحتكاره لبعض المناصب القيادية فى وزارة الثقافة، وهو ما اعتبره حسنى صناعة للرؤية، وليس صناعة للقرار، كما يعتقد البعض .
كما كان محور تمثيل التيار الاسلامي فى عضوية لجان المجلس الاعلى للثقافة غالبا على احد محاور الحوار، وبالقدر نفسه، حاولنا فهم علاقة الوزير – الذى اكد فى حديثه على انه فنان وليس سياسيا – بالتيار الدينى، الى غيرها من القضايا الجدلية، التى تفرض نفسها على الساحة الثقافية المصرية من وقت لآخر، وفيما يلى تفاصيل الحوار:
***
* كيف تنظرون الى طبيعة العلاقات الثقافية بين قطر ومصر، وتقييمك لها من مختلف جوانبها ؟
– فى رأيى ان الثقافة ارضية خصبة للعلاقة بين الشعوب والدول، وهذه العلاقة ان لم يكن اساسها ارضية ثقافية، فتأكد تماما انها ارضية متقطعة، وايضا غير مستمرة، فالثقافة هى سياسة الشعوب.
وعندما اقول ان الثقافة عندما تتعامل مع الشعوب، فانها الارضية التى ترسم عليها السياسة العامة وكذلك الاقتصاد، ومن هنا فان الاتصال الثقافى بين الشعوب هو الاساس ، وعلى اساس هذا الاتصال تر· قيادات الدول سياساتها، فالاقتصاد مبنى على جوانب تجارية، والسياسة تقوم على رؤية، والشئ الوحيد الذى يجمعهما هو الثقافة. ولذلك، فان الثقافة تقرب كثيرا وتفرق كثيرا ايضا، وكما انها تعنى استمرار التلاقى فى الوقت الذى تكون فيه السياسة ذات تقلب دائم.
بهذه المقدمة انطلق الى التأكيد على ان العلاقات الثقافية بين قطر ومصر تتعمق، حيث بدأنا ننظر الى التفاعل الثقافى بين الدولتين.
واتمنى ان تصبح العلاقة بين قطر ومصر فى الثقافة تحديدا على مستوى اكبر بكثير للغاية واعمق واشمل، وان يكون هناك برنامج مستمر، بجيث يتم تطبيقه فى توقيتات زمنية محددة.
ومن هنا اقترح ان يكون بين قطر ومصر ورقة عمل ثقافية فيما يتعلق بتبادل الخبرات والرؤى والتعامل مع المكتبات، وكيفية التفاعل بين المراكز المشتركة، وكذلك تبادل الرؤى فى التعامل مع القضايا الثقافية المتعددة، وكذلك تفعيل الدور الثقافي فى التعامل مع الجماهير.
تفعيل التعاون
* كيف يتم تفعيل التعاون الثقافى بين قطر ومصر، على النحو الذى تتحدثون عنه؟
– ادعو المسؤولين عن الثقافة فى قطر لان يقام بيننا لقاء لكى يتم هذا التفعيل، وفى اعتقادى فان ثقافة مصر فى قطر تلقى ترحيبا كبيرا، ونتمنى ان نرى ثقافة قطر فى مصر.
وكوزير لثقافة مصر انا مطالب بان اقدم كل الثقافات لابناء مصر، وبالمثل فانا مطالب بان اقدم ثقافة قطر فى مصر، ولاشك ان هناك بعض المشاركات القطرية سواء فى المسرح التجريبى او بعض الفعاليات المرتبطة بالفن التشكيلى، لكن دعوتى تتركز فى ان النشاط الثقافى ينبغى ان يكون اكثر من ذلك بكثير، خصوصا ان هناك نية واصرارا وتصورا من دولة قطر فى ان تدخل فى هذا المجال وبقوة، خاصة ان هناك مؤسسات قطرية رائدة تقوم عليها حرم سمو الامير الشيخة موزة، بالاضافة الى ان قطر تتمتع بخطة متحفية على مستوى رفيع جدا، نراها فى المتحف الاسلامى، وآخر للفنون التشكيلية، كما هو منتظر.
واعتقد انه ستكون هناك تباعا متاحف قطرية جديدة سيكون لها تأثير فى المنطقة العربية ومنطقة الخليج العربية، وكما اذكر دائما ان الثقافة هى تاج البلاد، فهى قوام الفكر والابداع، وهى التى تتمثل فيها قيمة الدول ككل، وهو ما تعمل به قطر.
عمق الثقافة العربية
* وفى هذا السياق، كيف تنظرون الى ملامح الحياة الثقافية فى قطر ؟
– أرى ان ارهاصات قوية بدأت فى الظهور بدولة قطر على المستوى الثقافى، ولمست بنفسى المقتنيات المتحفية الموجودة فى قطر وذلك بما ينم عن اهتمام شديد من دولة قطر بهذا المجال.
وذلك كله بالاضافة الى النهضة الحضارية التى نراها فى قطر، والتى تنعكس عليها الثقافة القطرية بشكل كبير، ولقد انبهرت كثيرا بافتتاح وختام دورة الالعاب الاسيوية، التى استضافتها اخيرا.
وانا كمواطن مصرى مهموم بالثقافة انظر الى الدول العربية، وقطر تحديدا على ان لى شخصيا علاقات حميمة، بدولة قطر، واتمنى ان تكون من الدول المتقدمة فى مختلف المجالات، خاصة ان هناك العديد من الشواهد التى تؤهل قطر لذلك.
* وهل هناك فعاليات مرتقبة بين مصر وقطر فى المجالات الثقافية خلال الفترة المقبلة؟
– كما ذكرت فاننى اتمنى ان تقام بين قطر ومصر مذكرة تفاهم ثقافية ووقتها يمكن ان يقال ان هناك فعاليات ثقافية، جادة بين الدولتين فى هذا المجال.
ومن جانبها، فان مصر تملك بنية ثقافية كبيرة فى دور الفن والثقافة، وهى تضع كل خبراتها فى هذا المجال للتعاون مع قطر، بغرض تعزيز وتفعيل التعاون الثقافى فى مجالاته كافة.
المتاحف القطرية
* معالى الوزير، انتم عضو فى هيئة المتاحف القطرية، فما هى الخطط والتوجهات القائمة للنهوض بمتاحف قطر ؟
– الواضح من اهتمام دولة قطر وقيادتها بالمتاحف، انها ترغب في ان تكون المتاحف من العلامات المميزة التى يتضح فيها دور الدولة، متحف قطر للفن الاسلامى سيتم افتتاحه فى أواخر العام الجارى، وما يضمه من مقتنيات ضخمة جدا ونادرة من الفن الاسلامى على مختلف العصور الاسلامية، وان يكون افتتاحه على مستوى دولى كبير للغاية، باعتباره سيكون واحدا من أهم المتاحف فى منطقة الخليج.
هذا المستوى المتميز للمتاحف فى قطر، يجعلها تضع نفسها على خطى المتاحف العالمية، بجانب ما تملكه قطر من 6 الى 7 آلاف عمل فنى من اعمال الفنانين العرب، يؤكد انها اول دولة عربية تجمع الفن العربى، دون ان تقتصر على الفن القطرى.
ومن هنا فان متحف الفن الحديث فى الدوحة يجمع اهم مشاهير العالم العربى من الفنانين التشكيليين، وهذا امر مهم للغاية، يؤكد ثراء الثقافة القطرية ويدعمها ولذلك ولاهمية هذا الفنون فانه ينتظر ان يقام لها متحف متخصص ايضا.
وما اريد قوله فى هذا السياق، ان قطر جعلت من مثل هذه المتاحف قواما للثقافة القطرية، كما انه من المنتظر ان تقام مكتبة ضخمة جدا فى قطر، يمكن ان تتبعها ايضا مكتبات اخرى متنوعة.
وحسبما اعلم، فان هناك اتجاها فى قطر لاقامة مركز ثقافى كبير لاستقبال الثقافة العربية والعالمية من كل مناحى الحياة، ومتاحف قطر يمكن تساهم فى استقبال معارض رسمية، فهناك قاعات عرض بالمتاحف المنتظرة، بجانب قاعات العرض السيارة. واعتقد ان قطر ستجد استجابات ايجابية من دول عديدة لعرض اعمالها وكنوزها فى متاحف قطر، الامر الذى يعكس عمق الثقافة القطرية وتراثها فى مختلف مجالاتها.
الجدل حول الحجاب
* معالي الوزير.. إذا انتقلنا الى محور آخر، يرتبط بما اثير مؤخرا على الساحة المصرية عامة، وهو ما يرتبط بالحجاب فى تقديركم لماذا كان صدور مثل هذه التصريحات من قبلكم عن الحجاب فى ذلك الوقت ؟
– انا كنت اتحدث عن حقيقة، وهذه الحقيقة كالآتى اننى لست اول من قام بالحديث عن الحجاب، فكثير من التفسيرات والآراء صدرت عن الحجاب، ومن هنا فاننى لست اول من فسر تفسيرا غير التفسير المطروح، ولولا ذلك كان الحديث عن الحجاب ذائعا كما هو مذاع الآن، فقد تم حسم هذا الموضوع من قبل، فالحجاب الذى كان موجودا فى الماضى ليس هو الحجاب الموجود حاليا.
* وهل انتفت ضرورة وجوده باعتقادكم ؟
– لا استطيع القول انها انتفت ضرورة وجوده الآن ام لا. . ولكن ما استطيع قوله هو ان الحجاب حرية مطلقة، فمن تريد ان تتحجب فعليها ان تتحجب.
ومع ذلك فلابد ان يكون لى رأى، وهذا الرأى مبنى على تاريخ واصول، وحقيقة عندما تصورت اننى اخطأت فى موضوع الحجاب، اردت البحث عن معنى الخمار، ولذلك بحثت فى معجم ’’لسان العرب’’ ، فوجدت ان الخمار معناه هو ’’غطاء الشئ دون موضع ’’ اما القرآن الكريم فقد حدد الموضوع، وقال ’’وليضربن بخمورهن على جيوبهن’’، فالجيوب فى ’’لسان العرب’’ هى فتحة الصدر، ولم يقل القرآن الكريم ’’وليضربن بخمورهن على رؤوسهن’’. والاستنتاج السابق يؤكد ان هناك خلافا حول تعريف الحجاب، وليس معنى ذلك اننى اقول للنساء ’’اخلعن الحجاب’’، ولكننى اقرر حقيقة، ولا اود ان تخلع سيدة حجابها، مادامت قد ارتدته بحريتها التامة.
اهمية الحجاب
* هل هذا يفسر ان القول بالحجاب ليس بالرأى الواجب؟
– فى رأيى اعتبر غطاء الرأس هو قوام الروح الداخلية، ومهما تغطت المرأة بكتل من الغطاءات سواء اسدال او خمار، وهى فى الداخل ليست محجبة، فتأكد انها تعانى من نقص كبير فى قوام الروح الداخلية.
* هل انت تود القول بان ارتداء الحجاب ليس مقياسا لعفة المرأة ؟
– ليس مقياسا للمرأة بالطبع.
* ولكن على الرغم من هذا التحفظ، رأينا من استقبلتنا فى مكتبكم بالوزارة هى من المحجبات ؟
– وهذا يؤكد الحرية الكاملة، واسمح ان اقول لك شيئا، انا اختى لا اجبرها على ارتداء الحجاب، ولو كانت لى زوجة لما فرضت عليها الحجاب، ولو كانت ستتحجب كنت سارفض ارتداءها الحجاب، لانها زوجتى وانا حر فى ذلك، ولكن هذا لا يمنع انها سيدة محترمة وتقية.
* ولكن اليست حرية لها فى ان ترتدى ما تريد ؟
– نعم هى حرية. . ولكنها زوجتى وانا لى اخت محجبة، وعندى اختان أخريان ليستا محجبتين، ولا اقول لهذه تحجبى، ولهذه لا تتحجبى، فهذه امور تخصها تماما، ولكن زوجتى خاصة بى، أرى فيها ما أرى، ولابد ان اعطيها الثقة كى تحافظ على روحها الداخلية، فاليوم بعض من المنقبات يسرن فى الشوارع ولا يعرفهن ازواجهن.
الموقف من السافرات
* ولكن معالى الوزير، لماذا يكون الحديث عن المحجبات، ولا يكون الحديث عن السافرات ؟ ويوجه الحديث الى المحجبة: ايتها المحجبة اتركى حجابك، ولا يقال ايتها السافرة تحجبى ؟
– انا بالطبع لست داعية اسلاميا، ولكن اود القول متسائلا: كيف يتم اختزال الدين والايمان والتعمق والتصوف فى الملابس ، فلن يسئل احد ماذا تلبس ، وعادة الاغراءات تكون موجودة ولو عن طريق الهاتف، واحيانا تفعل بعض النساء امورا خطيرة بالهاتف رغم كل المسافات البعيدة والشاسعة، التى لا ترى فيها بالطبع الصورة.
وهنا اتساءل ايضا. . هل لم نجد شيئا نتحدث فيه سوى عن الحجاب فى عالمنا العربى الذى اصبحنا نعيش فيه عالة على العالم المتقدم، وتقدمهم فى مختلف العلوم مثل الطب، الفلك، العلوم الاجتماعية، العلوم البحتة، الرياضيات، ثم نفكر نحن بتفكير آخر، دونما التفكير فى المستقبل.
وكيف لنا ان نفكر فى الماضى، دون ان نفكر فى المستقبل، فالانسان خلق لكى يعمر هذه الارض ، ولكى يفكر، اما الحساب والآخرة فهذا امر آخر، فقد انتهى عصر الانبياء، وللآسف رأينا اناسا يتحدثون فى الدين وكأنه ليس هناك غيرهم، وهذه خطورة كبيرة للغاية.
* هل تعتقد هنا ان هناك سلطة دينية مفروضة على المجتمعات العربية، يمكن ان تدفع بها مثلا الى التراجع ؟
– انا أرى الآتى، ضرورة ان تتم تصفية كل هذه الآراء فى آراء علمية معترف بها من كل الاطراف، لانه لا جدال فى ان للدين علماً، بدليل انه كان فى الماضى يتم منح شهادة العالمية من الآزهر، ولكن ليس كل من تخرج من الازهر هو عالم دين.
وانا، على سبيل المثال خريج كلية الفنون الجميلة، وليس بالضرورة ان كل من تخرج فى كلية الفنون الجميلة هو فنان، ولكن ان يخرج من كل 50 طالب فنان، فهذه كلية غنية.
فوضى الدعوة الاسلامية
* هل يفهم من ذلك انك تدعو الى التخصصية فى هذا الجانب ؟
– انا ادعو الى التعمق والتعقل والتخصصية بالفعل، والى ايصال الدين بروحه الجميلة الى الناس ، وليس بكل البطش الذى نراه، الذى يمارسه بعض الدعاة الكثيرين للغاية، سواء كانوا كبارا او صغارا يعملون فى الدعوة الاسلامية.
وذلك كله رغم ان للدعوة الاسلامية ناسها وفقهاءها وعلماءها، وعندما نأخذ منهم الرأى والشورى والنصيحة، فانها تكون عن تجربة وعن علم وايمان حقيقى، وعندها ننظر الى الدين والقرآن الكريم والرسول ’’صلى الله عليه وسلم’’ بشكل رائع وليس بالشكل الحالى.
ولقد مرت علينا عصور، قرابة 14 قرنا بالطبع ورغم ذلك نفكر اليوم بشكل اكثر رجعية، مما كانت عليه الرجعية قبل 14 قرنا مضت، فمن اعطى السلطة لهؤلاء ان يتحدثوا بهذه الطريقة.
* هل تود القول بان حقل الدعوة الاسلامية اصبح طريقا لكل من هب ودب؟
– هذا واضح بالفعل، وتفضل لرؤية القنوات الفضائية، حيث بداے لكل شئ مقاييسه، فوجدنا المطالبة بارتداء الحجاب ذات طول معين وان يكون غطاء الرأس بشكل معين، ولا يفهم من ذلك ان لى موقفا من الحجاب اطلاقا، فانا ليس لى موقف منه ولست ضده فى الوقت نفسه، وان كنت ضد الحجاب الموجه.
وتفسيرى لذلك، اننا حينما نجبر الطفلة على ارتداء الحجاب، فاننا نكون بذلك قد اثرنا على مستقبلها الاجتماعى، حيث نكون بذلك قد حفزناها قبل الاوان، فالطفولة ينبغى ان يكون لها معنى ومغزى فى الوقت نفسه، ولكن الفتاة الكبيرة من حقها ان تفعل ما تريد، ولكن ايضا لا يكون ذلك موجها سياسيا.
واليوم، نجد الممثلات اللاتى اصبحن داعيات، متى تعلمن الدعوة، فهل تستطيع واحدة منهن قراءة القرآن الكريم عن طريق الحفظ كاملا، وهل واحدة منهن تستطيع الحديث عن تاريخ الاسلام، رغم ان هناك دعاة حقيقيين يقضون حياتهم كلها فى دراسة الفقه الاسلامى، ليفكروا بعدها فى اعتلاء المنابر.
وللآسف اليوم بدأنا نسمع الكثير من الخزعبلات، اذا كان الشخص يدخل ’’دورة المياه’’ بالقدم اليسرى او يخرج منها باليمنى، فاصبحت الامور مضحكة للغاية.
اعتزال الفنانات
* وهل تعتقدون بذلك أن اعتزال الممثلات وحجابهن جاء بدوافع أخرى ؟
– ليس لى دخل بتحديد الدوافع، فنحن لا نتحدث عن النوايا، واذا كانت كل واحدة منهن مؤمنة بما فعلته ام لا، ولكن لا ينبغى ان تفرض فكرها على الآخرين، فلو اعتزلت فلها ذلك وعلينا النظر الى ’’رابعة العدوية ’’، وتوجهها الى داخلها وربها من خلال تصوفها.
ولكن كون ان يقود كل شخص رسالة، فان هذه الرسالة تكون رخيصة للغاية، فالرسالة لها قوامها وظروفها وسموها، ولا ينبغى ان تكون فى المطلق.
* ولكن معالي الوزير، أين دور الأزهر فى هذا الجانب فى ظل حالة الاندفاع الرهيبة التى تتحدث عنها ؟
– ليست هناك قوانين لالزام أحد بالحديث، وآخرين بعدم الحديث.
* ولكن، دور الأزهر ينبغى أن يكون ايجابياً ؟
– الازهر، جامعة تعمل على تخريج العلماء، وهى جامعة يزيد عمرها على ألف عام، وتقوم بتخريج الدعاة فى الفكر الاسلامى والفقه، ولكن اليوم الجامعة توسعت وأصبحت بها كليات اخرى للطب والعلوم وغيرها، ومن هنا اصبح الازهر، جامعة علمية اكثر منه جامعة دعوية.
ومن غير شك، فان هناك كليات متخصصة فى امور دينية متعمقة، ولا أرى ان الازهر يمكن ان يوقف هذا او ذاك عن الدعوة.
مرجعية المجتمع
* ولكن، ينبغى ان تكون هناك مرجعية للمجتمع، سواء كانت مرجعية دينية أو علمية ؟
– الازهر، بالفعل لايزال مرجعية دينية وعلمية، ولكن المشكلة تكمن فى ان دعاة اليوم ليسوا جميعهم يتمتعون بشهادة تخرج من جامعة الازهر، فليست هناك قوانين تلزم امثال هؤلاء بعدم الدعوة، او ان يكون الدعاة هم من خريجى الازهر.
* معالي الوزير، يقال ان تعيينكم لسيدة محجبة كمشرفة على مكتبكم لارضاء التيار الدينى، للصمت عما صرحتم به من آراء عن الحجاب ؟
– اطلاقا.. المحجبات فى وزارتى موجودات من قبل، ومنذ فترات طويلة.
* ولكن لم يتم تعيين هذه السيدة المحجبة، إلا بعد اثارة أزمة الحجاب بعد تصريحاتكم الصحفية ؟
– أبدا. . هذه السيدة هى موظفة تعمل فى وزارة الثقافة وأنا لم أعرفها إلا منذ عام، وقد رصدتها لتأتى الى مكتبى فى يوم من الايام، وذلك لانها اكفأ موظفة فى الشؤون المالية والادارية، وحصلت على جائزة فى ذلك المجال منذ عام.
وعندما خرج على المعاش المشرف العام على مكتبى، اضطررت الى الاستعانة من داخل الوزارة بأحسن موظفة فى الدولة المصرية فى هذا المجال.
صراع الحكومة المصرية
* لوحظ معالي الوزير ان من وقف فى الرأى الآخر لك هم اعضاء من الحزب الوطنى الحاكم ووزراء ايضا، فبماذا تفسر ذلك، هل هو تفكك ام عدم انسجام ؟
– اطلاقا.. هى كانت حسبة سياسية خاطئة، فكانوا يفكرون فى سحب البساط من تحت اقدام الاخوان المسلمين، وهنا أرى انها حسبة لم تكن مدروسة، وكانت هذه لافتة للنظر.
* وهل أنت راض ٍ عن هذا التبرير ؟
– اطلاقا. . ولم اقتنع به مطلقا.
* البعض يرى ان الموروث الثقافى المصرى لم يعد فى موضعه، وان الحديث عن الاهتمام به، والنهوض به لا يخرج عن كونه اهتماما حكوميا، اليس كذلك ؟
– لا أتفق مع هذا الرأى مطلقا، فنحن لدينا العديد من الانجازات والمشروعات التى تحققت على ارض مصر، ويكفى اننا فى مصر ومنذ سنوات قليلة، قمنا بترجمة 1100 كتاب من 27 لغة، بجانب المشاركات الدولية فى جميع الفعاليات، وهو ما يؤكد عرض الثقافة المصرية فى الخارج بجميع دول العالم، بجانب المعارض الاثرية التى تقام من وقت لآخر بدول العالم، فنحن لدينا حاليا ثلاثة معارض اثرية فى الخارج، تطوف فى كل من اليابان وامريكا وفرنسا، وهو ما يعكس ثقافة مصر وتراثها.
واليوم مصر تفتخر بان لديها أقدم دار كتب ليس فى المنطقة العربية وحدها، ولكن فى دول العالم أجمع، حيث أصبحت فخرا للمصريين، بعد ان صارت على مستوى عال، وتمت فيها الاستعانة بأحدث التقنيات.
وبالاضافة لما سبق فان العالم كله يتابعنا ونحن نبنى اكبر متحف فى العالم، وهو المتحف المصرى الكبير بطريق القاهرة – الاسكندرية الصحراوى، حيث يقام على مساحة 117 فداناً، بالاضافة الى متحف الحضارة بالفسطاط والذى يعتبر أكبر متاحف الحضارة فى العالم ايضا، بجانب المتاحف الاقليمية والفنية والمتخصصة.
هذا كله يضاف الى المكتبات الثقافية فى كل القرى والنجوع، حتى ان المناطق النائية، وصلت اليها المكتبات الثقافية كل ذلك يؤكد عمق الثقافة المصرية وثراءها، وانا بالقدر الذى تمتد فيه الداخل، تتشعب فيه بالخارج.
* لكن ألا تعتقد أن كل هذه الانشطة تشكل عبئا على ميزانية الدولة المصرية ؟
– اؤكد ان وزارة الثقافة فى اى دولة من دول العالم هى من الوزارات المظلومة، لانه مطلوب منها القيام بدور تثقيفى كبير، يفوق ما يمكن ان يخصص لها من الدعم.
وهذه الحالة قائمة فى مصر، فنحن لا نرهق ميزانية الدولة المصرية، شيئا يذكر، ونعتمد فى تمويل انشطتنا على الجهود الذاتية، واقامة الصناديق، على غرار صندوق التنمية الثقافية.
ومن هنا فاننا ننفق على المشروعات التى تقيمها الوزارة من خلال الميزانيات الذاتية، وهو ما يتم فى انشاء المتحف، الكبير بالطريق الصحراوى والحضارة، بالاضافة الى المكتبات والمراكز الثقافية، والآثار الاسلامية والفرعونية التى يتم ترميمها سواء فى القاهرة الاسلامية او غيرها.
الجدل حول الآثار
* لكن معالي الوزير، من الأمور التى تثير جدلا فى مصر معارض الآثار التى يتم تنظيمها فى الخارج، بجانب تعدد حالات سرقة الآثار، فكيف تواجهون مثل هذه القضايا؟
– المعارض الاثرية التى تقيمها مصر فى الخارج تحقق عائداً كبيراً للغاية، منها ما هو سياسى واعلامى وما هو أيضا مادى، وبالتالى تقوم بدور دعائى كبير جدا لمصر، وتخرج وفق ضوابط محددة، وبمواصفات رسمية.
أما ما يحدث من ضبطيات اثرية، فانها كما يبدو ضبطيات وليست مسروقات وما يحدث يسترعى الانتباه لتفسير مساحة مصر، والتى تصل الى مليون كيلومتر مربع، أى تعادل ضعف مساحة فرنسا، والمصريون القدماء عاشوا على امتداد هذه المساحة الكبيرة، ولذلك انتشرت آثارهم.
وما يتم يكون فى شكل تنقيبات غير شرعية وبشكل عشوائى، حيث يتم الحفر تحت اسفل المنازل، ولكن سرعان ما يتم ضبط ما قد يتم العثور عليه.
واؤكد من ناحية اخرى ان متاحفنا المصرية مؤمنة على اعلى مستوى، وبشكل اليكترونى، ووفق احدث التقنيات، ولذلك فانه لا توجد مطلقا اية سرقات من المتاحف او المواقع الاثرية.
رفض التطبيع
* معالي الوزير، منذ 20 عاما تقريبا. . وانتم تحرصون على رفض التطبيع الثقافى مع اسرائيل، فى تقديركم ما هى اسباب استمرار هذا الرفض ؟
– السبب الاساسى من وراء ذلك يأتى من خلال رؤية سياسية، دون ان تكون له أية أسباب ثقافية، وهنا لا أتحدث بلغة عاطفية، ولكننى أتحدث من خلال الرؤية السياسية، والتى تؤكد ان التطبيع ورقة كبيرة جدا، ينبغى استثمارها.
وتفسيرى لذلك باننا لو دخلنا فى تطبيع ثقافى مع اسرائيل لوجدنا مثقفين اسرائيليين يقومون بالمشاركة فى فعالياتنا الثقافية، وهذا بالطبع مرفوض من جانبا، ولو حدث غير ذلك لاصبحت هناك سوق ثقافية عربية يغرقها الاسرائيليون.
ونحن من جانبنا فى وزارة الثقافة سنظل رافضين للتطبيع، حتى يحصل العرب على حقوقهم كاملة، وتنصاع اسرائيل الى القرارات الدولية بالانسحاب من الاراضى العربية التى تحتلها.
وعموما، فان التطبيع منه الاقتصادى، ورقة ضعط هائلة جدا يمكن للعرب استثمارها للضغط على اسرائيل لتنفيذ مطالبنا العربية العادلة، والذى لو تحقق لاصبح هناك اغراقا للسوق الاقتصادية العربية، واذا تخلى العرب عن ذلك فعليهم ان يتحملوا تبعاته.
* لكن يقال سيادة الوزير، ان قرار رفض التطبيع الثقافى، يأتى لرفض المثقفين له، فضلا عن ضغوطهم عليكم، لعدم الاقدام على هذه الخطوة ؟
– هذا الكلام غير صحيح بالمرة، فرفضى للتطبيع ليس عاطفيا اےو مزاجيا، ولكنه يأتى من خلال سياسة حاكمة، وفى هذا السياق، فاننى لم أتعرض لضغوط من جانب المثقفين او غيرهم لرفض التطبيع، خاصة واننى واحد من المثقفين وخادم لهم.
ولا يعنى رفضى هذا اننى امارس دورا ديكتاتوريا فى وزارتى، ولكن سياستى تقوم على ديمقراطية الثقافة، بمعنى اننى أعطى للجميع حرية اتخاذ القرار، فمنذ ان توليت الوزارة وانا اعمل على تفعيل لجان المجلس الاعلى للثقافة، والتى تصل من 22 الى 24 لجنة فى مختلف الجوانب الثقافية، وتضم كل لجنة منها 20 عضوا، يناقشون جميعا كافة القضايا بمنتهى حرياتهم، بعيدا عن اية املاءات.
واذكر اننى عندما توليت الوزارة، رأيت ان لجان المجلس غير مفعلة، ولذلك قمت بتفعيلها، بالاضافة الى الدفع بلجان اخرى جديدة.
* وهل التيار الدينى يمثل فى مثل هذه اللجان ؟
– جميع المثقفين من مختلف الاتجاهات والتيارات ممثلون فى هذه اللجان، وعندى صحيفة ’’القاهرة’’ التى تصدر عن الوزارة، يكتب فيها المفكر الاسلامى د. محمد عمارة وبجانبه السيد يسين، وكذلك د. محمد السيد سعيد وغيرهم ، فليس لدى تصنيف للمثقفين، والقول بان هذا يمينى او وسطى او يسارى، فكلهم مثقفون لمصر، ولذلك فإننى لا اعترض على عضوية احد منهم، فعضوية لجان المجلس ليست حكرا على احد.
احتكار المناصب
* لكنك معالى الوزير تترأس المجلس الاعلى للثقافة، بجانب رئاستك ايضا المجلس الاعلى للآثار، بجانب رئاستك العديد من اللجان الاخرى، الا يساهم ذلك فى احتكارك صدور القرار ؟
– ارفض بالطبع هذا الرأى، لاننى وان كنت رئيسا للمجلس الاعلى للثقافة ورئيسا ايضا للمجلس الاعلى للآثار، فإننى لست صانعا للقرار فى هذين المجلسين او غيرهما، ولكننى صانعا للرؤية، وهذه الرؤية تأتى من خلال ممارسة مطلقة للعمل الثقافى، الذى اعمل فيه بدور الهاوي.
ومن هنا فإننى اتعامل مع المنصب بهواية مطلقة، واذكر اننى منذ صغرى وانا احب القراءة، وفى الوقت نفسه اعشق الفن، واحب الآثار لدراستى لها فى كلية الفنون الجميلة، وكل هذه ظلت هوايات معى بعد تخرجى فى الجامعة بل وجاءت معى الى الوزارة، وقبلها مناطق العمل التى عملت فيها قبل قدومى للوزارة سواء فى روما او باريس .
ومن خلال صناعة الرؤية فى الوزارة، اعطى الحرية الكاملة لجميع مسئولى الوزارة فمثلا اعطى للامين العام لكل من المجلس الاعلى للثقافة والمجلس الاعلى للآثار صلاحيات الوزير المطلقة، دون اى حجر على قراراته او آرائه.
* ولكن مع كل التقدير للمثقفين، الا ان البعض يستشعر انهم يعيشون فى برج عاجى، يعزفون فيه عن المشاركة فى قضايا المجتمع. فما ردكم ؟
– اسمح لى بالاختلاف مع هذا الرأى، فإن كل فنان له همومه ومعه بالطبع المبدعون، والكل يعبر عن همومه بطريقته، فاذا كان الفنان يعبر عنها بالرسم، فإن المبدع يعبر عنها بالقصة او الشعر، وذلك من خلال حالة انعاش خاصة، وليس بالضرورة ان نطالب المبدعين والفنانين بأن يزيدوا همومهم هموما اخرى.
ومن هنا، فإن المبدع هو المبدع، وليس كبقية الناس ، ولذلك ينبغى الاشارة الى ضرورة التفريق بين المثقف (بكسر القاف) والمثقف (بفتح القاف)، فالاول هو اكثر تثقيفا من الآخر، وهو الذى يقود المجتمع الى الثقافة، اما الآخر فهو حامل الراية.
وعموما، فإن المبدع ينبغى ان يكون مبادرا ومثابرا فى الوقت نفسه وعلى المجتمع ان يلحق به.
* ولكن، ينبغى ان يكون هؤلاء المبدعون جزءا من المجتمع، لمناقشة واقعه وهمومه، أليس كذلك ؟
– هنا اؤكد أن من أراد أن يقود المجتمع فعليه ذلك، ومن اراد هو ان يقوده المجتمع فعليه ذلك ايضا، ولكن ليس بالضرورة الزام المبدعين بالدخول فى هموم المجتمع، وهذا لا ينبغى بالطبع، ان المبدعين جزء من المجتمع، ولكن من المهم ألا يفرض عليهم المجتمع همومه.
جدل الوزير
* البعض ينظر اليكم معالى الوزير على انكم تشكلون ظاهرة جدلية ومشاكسة فى الوقت نفسه، من خلال المعارك التى تخوضونها ضد معارضيكم فيما يتعلق بمشروعات الوزارة التى تقبل عليها، فما تعليقكم ؟
– فى الحقيقة انا لست ظاهرة جدلية او مشاكسة فى الوقت نفسه، فأنا الذى تتم مشاكسته، كما اننى دائما لا اسعى الى المعارك التى تأتينا او اننى الذى اسعى الى خوضها.
ولكن مع ذلك اذا جاءتنى المعارك، فأهلا بها، والجميع يعلم اننى اذا خضت معركة فأنا المنتصر فيها، وذلك لقناعتى الشديدة بالرؤية التى اضعها على الساحة، فانا لا اعمل لشخص ، فوزارة الثقافة ليست لعائلتى، فانا اعمل لصالح هذا الوطن (مصر).
وقد يبدو للبعض اننى حالة جدلية، وهنا اؤكد انه لم يكن هناك تحريك للحالة الاجتماعية من خلال الافكار والثقافة، فإن العمل لن يكون فاعلا، فالاصل فى الثقافة التنوع والتضاد، ودائما الآخر هو الذى يأتى بالمعركة ضد كل من يحاول ان يأتى بالجديد.
ودائما المعارك التى جاءتنى لم انسحب منها، فاخوضها لمصلحة وطنى، بل واتحمس للرؤية التى اطرحها، واعمل جاهدا على تنفيذها، وهنا من حق المجتمع محاسبتى، فانا اولا واخيرا مسؤول عن تثقيف المجتمع، ونشر الثقافة بين افراده، ولذلك اسعى الى فتح افكار جديدة امامه، بعيدا عن الافكار المكررة والقديمة.
* ولكن قد تصطدم هذه الافكار مع ثوابت المجتمع وتقاليده او ضوابطه ؟
– كما ذكرت انا حريص على المجتمع فاذا كنت واحدا من المثقفين وخادما لهم، فانا ايضا خادم للمجتمع، الذى يتطلب منى ان أرتقى به ثقافيا.
وبطبعى ارفض سياسة التخويف والمزايدة على الآخرين، ومن ثم فلا احب ان يفرضها عليّ احد، فالوطنية ليست حكرا على احد، فانا اعمل كما ذكرت فى منصبى بهواية واخلاص وغيره على مجتمع بلادى.
منصب الوزير
* معالى الوزير، توليكم وزارة الثقافة المصرية لنحو 20 عاما، امر يطرح العديد من التساؤلات، فما تفسيركم للاستمرار فى هذا المنصب طوال هذه المدة ؟
– انا فى الاساس رسام، وهذه حياتى، وهذا ما سوف يكون وسيظل، ودائما الفنان يكون صادقا مع نفسه، وهذا بالطبع شيء رائع استشعره عن نفسى، خاصة اننى حققت العديد من الانجازات والانشطة التى اعتز بها، وتضيف بالطبع الى رصيدى كوزير والى رصيد المجتمع الثقافى.
ومن هنا، فإننى اتعامل مع منصبى بروح الفنان الصادق، الذى يخلص فى عمله، غير عابئ بتضاد الآخرين، مادامت الرؤية ثاقبة، واسعى من خلالها الى الابتكار وتحقيق التصنيع الثقافى لمصر، وتحويل اقتصاديات مصر الى اقتصاديات ثقافية، ولذلك فإن المشاركة فى الفعاليات المختلفة بدول العالم اذا كانت مطلوبة، فانها ليست كل الرؤية الثقافية.
وذلك لأن الرؤية ينبغى ان تكون ثاقبة وشاملة، ولذلك فهناك مشاركات عديدة لمصر فى جميع الانشطة والفعاليات الثقافية الخارجية، فوجودى فى منصبى يضع على مسئولية جسيمة، فى ان نضع كافة الارث الثقافى لمصر فى اطاره الصحيح، خاصة اننى اخدم ثقافة بلادى، انطلاقا من ان مصر دولة للثقافة، فنحن لا نعتمد على التكنولوجيا او الصناعات الثقيلة، ولكننا نعتمد على ارث ثقافى طويل وممتد.
وهذه ’’دولة الثقافة’’ تحمل تاريخا وبصمات وابداعاً، الامر الذى يجعل مصر غنية بثقافتها، ومن هنا فلا ارى دولة اغنى من مصر ثقافيا، وهو ما يضع امامى مهمة شاقة وعسيرة، اتعامل معها بمنطق الهواية كما ذكرت، فأنا محترف فن، ولا اتعامل مع منصبى بمنطق محترف السياسة.
وهنا اؤكد ان عدم احترافى للسياسة كان وراء استمراري فى منصبى طوال هذه المدة، واذكر ان الدكتور عاطف صدقى رئيس الوزراء الاسبق، عندما عرض علىّ منصب الوزارة قبل 20 عاما، ورفضت فى البداية، الا انه قال لى وقتها انه منصب لن يزيد على عامين او ثلاثة ’’، ويومها صدقته بالفعل، ولم اكن ادرك ان المنصب يمكن ان يصل الى هذه المدة.
* ولكن يقال انك مدعوم من الرئيس ، ولذلك استمررت فى موقعك طوال هذه السنوات ؟
– وانا اتساءل بدورى، ما المانع فى ان اكون مدعوما من الرئيس ، ثم ينبغى ان يكون التساؤل ايضا: هل انا مكسب للدولة ام لا ؟ ولا شك ان الإنجازات وما تحقق فى الوزارة على مدى السنوات الماضية يؤكد اننى لو كنت خسارة للدولة، لأقالتنى او استغنت عنى الحكومات المتعاقبة من سنوات سابقة.
وانا لست مدعوماً من الدولة عاطفيا، ولكنى فقط مدعوم لنشاطى وعملى بالدرجة الاولى، وانا اذا كان لدى وكيل وزارة متميز او موظف على مستوى عال من المهنية، فلماذا لا ادعمه، ولذلك من المنطقى ان يكون صاحب المشروعات والانجازات مدعوما، بل وان نكون نحن وتكون الدولة جميعنا داعمين له.
الموقف من التيار الديني
* ماذا عن صحة ما يتردد عن وجود خلافات بينكم وبين التيار الاسلامي ؟
– يجب ان ننظر الى التيار الاسلامى وما يقوله والى اين يسير، فالاسلام هو قانون الجميع فأنا لست ضده، وانا مسلم ومؤمن ومتصوف داخليا وارفض ان يملي علي احد تصوراته وافكاره.
واذا كان التيار الدينى يعرف الاسلام فقط فانا اعرف الاسلام وكافة الامور التى تجاوره وخاصة العلوم والفنون فأنا افكر فى مجمل الامور ولا اقف عند جزئية بعينها.
* وامام هذا الثراء الثقافى فى مصر اين تضعون الحالة الثقافية العربية على الساحة حاليا والحراك الثقافى فى وطننا العربى ؟
– الحراك الثقافى العربى يأخذ فى منحاه طابعا ادبيا اكثر منه تعرضا فى باقى الامور وهذه كانت مأساتى عندما اتيت الى وزارة الثقافة المصرية، عندما اردت تحريك كل قضايا الشأن الثقافى.
ووقتها كان الاعلام فى مصر كتاباً واصحاب فكر، باستثناء بعض الفنانين الكبار، وكان الابطال فى الفنون الاخرى ليسوا على مستوى الاداء.
ومن هنا فإننا فى العالم العربى ننظر الى ان من يتحدث اللغة ايا كان موقعه، قد لا تكون لديه بلاغة الافكار، وهناك الكثيرون لا يعتمدون على هذه الاخيرة حتى اصبح ذلك تراثا كبيرا توارثته الاجيال العربية.
كما كنا نجد فى العالم العربى كاتب يكتب عن الآخر حتى اصبح ذلك هو الحقل الثقافى العربى الوحيد، وجميع من يكتبون كانوا يكتبون عن غيرهم، ولكن لم يكن هناك ناقدا متمرس فى الفنون المختلفة.
وعندما جئت الى وزارة الثقافة المصرية ولاحظت كل ذلك، فكان كل همى ان تكون الثقافة القائمة هى ثقافة الشمول والعموم.