لماذا لا يتم تدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية؟
جميع التكتلات والمنظمات الإقليمية والدولية الناجحة تنتهج ذلك
لا ننكر الجهد الذي بذله الأمين العام الحالي عمرو موسى، الذي من احدى ثماره دورية القمم العربية، وان كانت هذه القمم ظلت تراوح مكانها ولم تقدم شيئا للمواطن العربي ولم تحل المشاكل القائمة في الدول العربية وظلت العلاقات العربية- العربية رهينة المتغيرات السياسية، وتقلبات “الأمزجة” لصناع القرار في العالم العربي.
لكن آن الأوان أن يتم تطوير العمل في الجامعة العربية التي قاربت اليوم 70 عاما على انشائها، وتعد الاقدم بين المنظمات والتجمعات الاقليمية والدولية التي أتت بعدها، إلا انها طورت من أدائها بشكل كبير وتجاوزت انجازاتها جامعة الدول العربية على الرغم من كل الاختلافات التي تضرب بين اعضائها على العكس من جامعة الدول العربية التي تتوافر لها كل أدوات التكامل العربي.
في الخامس عشر من الشهر المقبل- هكذا مقررا- سيتم انتخاب امين عام جديد للجامعة سيكون السابع في تاريخها، وأعتقد أنه لأول مرة يتم التنافس على المنصب بين شخصيتين إحداهما من دولة المقر “مصر” والأخرى من دولة تلعب اليوم أدوارا سياسية مميزة وتقوم بمبادرات نوعية وتمتلك رؤية جديدة في التعامل مع العمل العربي.. انها “قطر” دون التقليل بالتأكيد من مصر الثورة، التي يتطلع العرب جميعا لعودتها السريعة للقيام بدورها التاريخي العظيم، الذي للأسف الشديد تراجع في السنوات الأخيرة عربيا واقليميا ودوليا.
وبعيدا عن الحديث عن الشخصيتين، إلا أن هناك قضية عادة لا تثار، وتمثل “المسكوت” عنه في مسيرة الجامعة العربية، ألا وهي قضية تدوير منصب الامين العام للجامعة، فلماذا لا يتم ذلك؟.
لقد اصبح عرفا أن الأمين العام يكون من دولة المقر حتى عندما انتقلت الجامعة إلى تونس عام 1979 على خلفية توقيع السادات لاتفاقية “كامب ديفيد” اختير الشاذلي القليبي امينا عاما وهو عرف وليس قانونا، فليس في الجامعة العربية ما يلزم اختيار الأمين العام من دولة المقر.
طبعا التبرير الذي عادة يساق أن تعاون دولة المقر يكون أفضل مع مرشح تقدمت هي به، وهذا أمر باعتقادي غير صحيح، فالحرص يجب أن يكون على العمل العربي وعلى المصلحة العليا للأمة، وليس على جنسية الامين العام، كون الدول تتعامل مع الجامعة العربية ومنصب الامين العام وليس جنسية هذه الشخصية.
التجارب الناجحة للتكتلات الاقليمية والدولية التي تجاوزت انجازاتها جامعة الدول العربية، علما انها أتت بعدها، جميعها تتخذ من سياسة تدوير منصب الرئاسة العليا أو الأمين العام نهجا في عملها، ولم تجعل أي دولة ممن وجدت فيها مؤسسات لتلك التكتلات عقبة اختيار شخصية منها لتولي تلك المناصب تسيطر على عملها، بل تجد أن المقر في دولة، والأمين العام أو الرئيس من دولة اخرى، حسب الطريقة التي يتم التوافق عليها في التناوب أو الاختيار.
وهناك أكثر من تجربة ناجحة في هذا المجال، من بينها الاتحاد الاوروبي، الذي أنجز على أرض الواقع وبصورة فاعلة مؤسسات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية وبرلمانية.. دستور هذا الاتحاد ينص على الرئاسة الدورية للاتحاد كل سنتين، اضافة إلى منصب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي الذي يتولى الاشراف الفعلي على السياسة الخارجية والأمن المشترك.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي في بنيته التنظيمية على 3 أجهزة إدارية رئيسية هي مجلس الاتحاد الاوروبي، والمفوضية الأوروبية، والبرلمان الأوروبي.
التجربة الناجحة الثانية هي “الاسيان”، وهي منظمة اقليمية آسيوية (منتدى دول جنوب شرق آسيا)، استطاعت ان تحقق نموا اقتصاديا كبيرا لدولها الاعضاء، اضافة الى تحقيق الامن والاستقرار في الاقليم.. هذه المنظمة يتم اختيار أمينها العام وفقا لمعايير محددة يتمتع بها من يتقدم للترشح الى هذا المنصب، الذي مدته 5 سنوات، وليس المنصب حكرا على دولة المقر أو أي دولة.
التجربة الناجحة الثالثة دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يعد الكيان العربي الوحيد الذي استطاع ان يصمد في وجه العواصف التي هبت على المنطقة، وحقق انجازات على ارض الواقع وان كانت لا ترتقى الى تطلعات قادة وشعوب الدول الخليجية على الرغم من كل التحديات التي واجهها منذ قيامه، كونه في منطقة ظلت طوال العقود الثلاثة الماضية منطقة ملتهبة.
هذه الدول تقوم باختيار شخصية من يتولى منصب الامين العام بالتناوب، على الرغم من ان المقر في المملكة العربية السعودية الشقيقة، وكل الامناء العامين الذين تولوا هذا المنصب وجدوا كل الدعم والمساندة من القيادة بالمملكة التي سخرت امكاناتها ومؤسساتها لدعم دور مجلس التعاون الخليجي ودور من يتولى منصب الامين العام سواء كان سعوديا أو خليجيا، لا فرق.
هذه التجارب الناجحة لماذا لا يتم الاستفادة منها على مستوى جامعة الدول العربية؟ خاصة اننا نعيش مرحلة جديدة في تاريخ أمتنا العربية التي تشهد شعوبها اليوم ثورات تصحيحية لواقعها المرير بعد سنوات من الكبت والاستبداد والفساد..
أقول ذلك وأكرر: ليس تقليلا من دور مصر التاريخي والحضاري العظيم، الذي دونه لا يمكن للعرب التحرك أو استرداد حقوقهم المغتصبة، والتاريخ يشهد على ذلك، وما نحن فيه اليوم من ترد للأوضاع العربية هو بسبب تراجع الدور القومي المصري، فكلما كانت مصر قوية كلما كان العرب أقوياء، والعكس صحيح.
وأجزم أن مصر الثورة اليوم عادت إلى أمتها لتقود من جديد زمام معركة الأمة الحضارية، ليس فقط في الساحات العسكرية، بل قبل ذلك في الساحات الاقتصادية والسياسية والتنموية والثقافية والعلمية.. وان قيادتها الجديدة ستتعاون مع أي شخصية عربية تتولى منصب الأمين العام للجامعة العربية.
من الأفضل للدول العربية وجامعتها تدوير منصب الأمين العام، فهذه ظاهرة صحية، وتخلق حراكا ايجابيا كبيرا، وتدفع بجميع الدول الاعضاء الى التفاعل مع الجامعة لتعزيز أدوارها، فوجود كفاءات من مختلف الدول العربية في “بيت العرب” سيساهم بلا شك في تطوير ادائها، وسيعمل على تقديم مبادرات لتحريك العمل العربي المشترك، وهو ما تسعى اليه الشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب المصري العزيز، الذي قدم بثورته البيضاء النظيفة نموذجا رائعا في الثورة على الظلم والاستبداد والفساد وقمع الحريات.
إذا كانت دول عربية تشهد اليوم ثورات شعبية على أنظمتها التي حكمتها سنوات «عجافا» تراوحت بين 20 و30 ووصلت إلى 50 عاما، فان جامعة الدول العربية هي الاخرى بحاجة الى «ثورة» من الداخل تنفض غبار سنوات من الركود والتهميش والقبول بدور ثانوي..
صحيح ان الجامعة هي انعكاس للوضع العربي المتردي، وتعيش نتاج التشتت والتمزق والفرقة التي تضرب عالمنا العربي، الا ان صحوة المجتمعات العربية اليوم تجعل من تطوير الجامعة «فرض عين» في هذه المرحلة المهمة التي تعيشها الأمة