كثير منا يبدي تحفظات على العملية التعليمية، ويتحدث عن ظواهر سلبية تعتريها، ويطالب الجهات المعنية بضرورة تلافيها..، وهذا امر مشروع، بل يحسب لمن يفعل ذلك ان كان فيما يطرح حقائق على الارض، لكن البعض منا من الذين يبدون هذه الملاحظات، تجدهم اول من يستنكر ويعترض على اجراءات قد تقوم بها الجهات المعنية سعيا لمعالجة ظواهر بعينها.
لن اذهب بعيدا، فمع بداية العام الدراسي الجديد اعلن المجلس الاعلى للتعليم عن اجراءات حازمة فيما يتعلق بالسلوك وضرورة الانضباط بالدوام وعدم الغياب، وفي حال تكرار ذلك يمنع الطالب من دخول الاختبارات..
اقدم المجلس على تنفيذ اللائحة التي اعلن عنها فيما يتعلق بالضوابط والسلوكيات وفرض الجزاءات على المتغيبين من الطلبة والطالبات، والتي تقضي بحرمانهم في حال تجاوزهم عدد ايام معينة، من دخول الاختبار، فقام بحصر من تغيب عن الدوام دون عذر، فبلغ عددهم نحو 1900 طالب وطالبة، وهو ما يشكل نحو 2 %، واصدر تعميما بمنعهم من دخول الاختبار، وهو امر طبيعي، خاصة انه منذ اليوم الاول للعام الدراسي قد اوصل هذه الرسالة الى الطلاب واولياء امورهم.
اليوم هناك عدد من اولياء الامور يضغط على المجلس الاعلى للتعليم لالغاء هذا الاجراء، وهو ما يعني التراجع عن خطوات الضبط السلوكي التي سعى لها من اجل الحفاظ على الانضباط الدراسي، والتشدد في عملية الغياب التي كان الكثير من الطلبة يقدم عليها، لمعرفته انه لن تكون هناك اجراءات حاسمة وحازمة تجاه ذلك، وانه في اسوأ الامور سيتم توقيعه على تعهد دون اتخاذ اجراء حقيقي تجاه غيابه، فماذا نريد نحن اولياء الامور من المجلس الاعلى للتعليم.. هل نريد ضبطا حقيقيا للعملية التعليمية حتى ولو كان “مؤلما”، ام نريد تراخيا، وترك الامور دون “حسيب او رقيب” كما يقولون؟.
نعم عملية حرمان نحو 1900 طالب وطالبة من دخول الاختبار الاول قد تكون “مؤلمة” لهؤلاء الطلاب واولياء امورهم، لكن من المؤكد ان ذلك سيوجه رسالة صارمة عن جدية ما يتخذ من قرارات، وانه لن تكون هناك مجاملات او تراجعات عما يتم اتخاذه، وبالتالي ستكون هناك جدية لدى الطلاب فيما يتعلق بالالتزام بالسلوك والدوام والانضباط…
دعونا نكون صادقين مع انفسنا، نحن نحمل الاطراف الاخرى: المجلس الاعلى للتعليم.. المدارس.. الهيئات الادارية.. مسؤولية ما يشوب العملية التعليمية من ظواهر سلبية، نعم على هذه الاطراف مسؤولية، لكن ليست كل المسؤولية، نحن جميعا نتحمل ما تتعرض له العملية التعليمية من سلبيات او اوجه قصور او ظواهر غير مقبولة.. تدفع نحو تأخر تحقق الاهداف التي نتوخاها من التعليم ومخرجاته.
انا وانت نتحمل المسؤولية تماما كما هو حال المجلس الاعلى للتعليم والمدارس والهيئات الادارية والتدريسية، اذا لم نضع يدنا بيد الاطراف الاخرى، فاننا نظل نشتكي من هذه الظواهر السلبية دون ان نتوصل الى حلول جذرية لما تعاني منه البيئة التعليمية من سلبيات متراكمة.
العملية التعليمية اليوم بحاجة الى معالجات حقيقية لعدد من الظواهر من بينها اعادة الانضباط الى المدارس.. ظللنا لفترات طويلة اما نرحل المعالجات او نتخذ اجراءات “ترقيعية” دون ان نمس اصل المشكلة، ودون ان نتحدث عنها بجدية، ودون ان نبحث عن حلول جذرية لها، بالتالي تجد بعض المشاكل قد تضخمت او “فرخّت” مشاكل اخرى، فلم نعد نسيطر عليها، وبتنا بدلا من ان نحل المشكلة الاساسية، اصبحنا نبحث عن حلول للمشاكل التي تفرعت عن المشكلة الاصلية، وبتنا ندور في حلقة مفرغة، واصبحنا نهدر اوقاتا هائلة في الفرعيات، في حين الاصل تركناه.
نحن بحاجة الى عمليات “جراحية” لعدد من الظواهر التي تشوب العملية التعليمية، تماما كما هو حال المريض الذي قد لايجد بدا من اجراء عملية جراحية لاستئصال ورم خبيث، وهو ما قد نحتاجه في العمل الاداري ليس في التعليم فحسب، بل في قطاعات اخرى كذلك، وهو امر طبيعي.
نلوم المدارس والكثير منا لايعرف اين تقع مدرسة ابنه، او في اي صف هو، والغالبية منا لا يذهب للسؤال عن المستوى التعليمي لابنه، وهذه حقيقة، فلطالما اشتكى الإخوة في المدارس عن إحجام الكثير من اولياء الامور عن السؤال عن ابنائهم، بل يصل الامر انه حتى اذا ما تم طلبهم فان القليل منهم يحضر، ثم بعد ذلك نلقي باللوم على المدارس، لنغطي على تقصيرنا بل وتقاعسنا عن القيام بواجبنا تجاه ابنائنا.
نحن اوكلنا تعليم ابنائنا بكل تفاصيله الى الجهات الرسمية، وتخلينا عن كل ادوارنا في العملية التعليمية، ولم نعد نهتم بالتحصيل العلمي وقبله الوضع السلوكي لابنائنا في المدارس، بل وصل الامر الى اهمال ابنائنا سلوكيا وعلميا وتربويا، ثم نتحدث عما يجب على الآخرين القيام به، و”نتفلسف” في الحديث عن ذلك، لكن لا نتحدث عما يجب ان نقوم به نحن تجاه ابنائنا، اليست هذه حقيقة معاشة من قبل الكثير منا؟.
فاذا كنا جميعا حريصين على المنظومة التعليمية، فلابد ان نكون شركاء حقيقيين ومخلصين، فلا يمكن لليد الواحدة ان تصفق، فاذا لم تتشابك الايادي من اجل تطوير التعليم فاننا سنظل ندور في حلقة مفرغة، ولن نتوصل الى حلول حقيقية لما تعاني منه العملية التعليمية من ظواهر سلبية، وسيظل كل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر، والمتضرر الحقيقي هم ابناؤنا، وسنظل نرحل المشاكل من شهر الى شهر، ومن عام الى عام.
قد يكون بالفعل مؤلما حرمان هذا العدد من الطلاب والطالبات، على الرغم من انهم لا يشكلون اكثر من 2 % من دخول الاختبار الاول، لكن بالتأكيد سيكون رسالة قوية للجميع طلابا واولياء امور عن عزم اكيد وجاد من قبل المجلس الاعلى للتعليم، عن المضي قدما في تنفيذ ما اعلن عنه من لائحة سلوكية في بداية العام الدراسي، وانه لا تراجع عنها.
من اجل مصلحة ابنائنا فلتتشابك ايادينا جميعا.. مسؤولين واولياء امور ومدرسين واداريين.. فنحن نتعامل مع المستقبل.. فأي مستقبل نريد؟.