مقالات

صناعة الإنسان هي التحدي الحقيقي والإنجاز الأكبر

المونديال إنجاز غير مسبوق

الفوز باستضافة أي حدث خاصة على مستوى العالم أمر، بلا جدال، مهم جدا، ولكن الأهم كيف حصل هذا الفوز، وكيف تمت صناعة مَن وقفوا خلف الفوز، وما هو المفتاح الحقيقي الذي مكَّن هذا الفريق أو هذه المجموعة من تخطي كل الصعاب، واختزال الزمن للوصول إلى هذا الإنجاز، الذي عجزت عن تحقيقه دول؟.

انه التعليم.. المفتاح الحقيقي لبناء الإنسان، وإعادة صياغته، وتفجير طاقاته، وهو ما يؤكد عليه سمو الأمير المفدى، وسمو الشيخة موزا بنت ناصر في كل المناسبات، وترجمة ذلك على أرض الواقع، وما المؤسسات التعليمية والتربوية، والعمل على إحداث ثورة في هذا القطاع المهم، إلا خير شاهد على ذلك.

التعليم النوعي، والتخطيط المنهجي، والرؤية الواقعية المبنية على أسس صحيحة وواضحة، هو الذي مكَّن فريق المونديال من الظفر بهذا الإنجاز، وهو الطريق نحو بناء المستقبل في أي مجتمع.

صناعة الإنسان هو التحدي الحقيقي، هذه الصناعة ترتكز بالأساس على التعليم، وبدونه لا يمكن الارتقاء بالإنسان، أو تطوير قدراته، أو بناء مجتمع، أو إيجاد تقدم، أو إحداث حراك حقيقي في مسارات النهضة الشاملة.

هذه الدولة الصغيرة جغرافيا كسبت التحدي من المرة الأولى في المنافسة على استضافة كأس العالم، وهو مثار دهشة، كيف استطاعت هذه الدولة تحقيق ذلك؟.

مثار دهشة ربما للذين لا يعرفون قطر، ولا يعرفون بالضبط ماذا تصنع القيادة القطرية، وبماذا تستثمر من أجل خلق جيل جديد، وإرساء قواعد دولة عصرية، وبناء مجتمع يواكب المجتمعات المتقدمة، مع المحافظة على الهوية الوطنية.

القيادة القطرية في صدارة أولوياتها الإنسان القطري، من أجل ذلك كان البحث عن أفضل السبل للاستثمار في هذا الجانب، فكان التعليم وتطويره والاهتمام به، هو الاستثمار الحقيقي ليس فقط لهذا الجيل، بل للأجيال القادمة، وربما لن يعرف الكثير منا قيمة ما يتم استثماره اليوم في التعليم إلا بعد سنوات، وإن كانت ثمار ذلك قد بدأت تظهر.

اليوم مؤسسة قطر، وما تضمه من منشآت تعليمية وبحثية وعلمية.. هي ليست مفخرة لهذا الوطن فحسب، بل تشكل مصنعا حقيقيا لبناء الأجيال، التي على عاتقها يقع بناء الوطن، فلا يمكن الحديث عن نهضة أو تقدم أو حضارة.. دون علم أو معرفة أو تعليم، وليس أي تعليم، بل تعليم نوعي، يخلق الإبداع ويدفع نحو الابتكار.

اليوم هناك شريحة ربما منزعجة من نظام المدارس المستقلة أو النظام التعليمي الجديد، لكن سيأتي اليوم الذي نشيد بهذا التحول في التعليم، وسيأتي اليوم الذي نحمد الله انه تم اتخاذ خطوات جادة، ولم يتم الالتفات إلى الأصوات التي تنادي للتراجع عن هذا النظام التعليمي الجديد.

ما تنفقه قطر اليوم على التعليم يعد من الأعلى إنفاقا بين الدول، وما يميز الإنفاق القطري انه متنوع ويشمل مختلف المجالات، بمعنى انه متكامل بين المناهج وطرق التدريس والبحث العلمي والجامعات العالمية ونظم التعليم الحديث والمؤتمرات والندوات وورش العمل واستقطاب الخبرات العلمية العالمية، وهو ما يخلق منظومة تعليمية متكاملة.

إنجاز المونديال سبقه الإنجاز الأكبر المتمثل في الاستثمار في صناعة الإنسان، هذا الاستثمار الذي من المؤكد سيحقق إنجازات رائعة للوطن في الحاضر والمستقبل القريب، ولا يجب على العالم أن يندهش من إنجازات هذه الدولة، طالما هناك قيادة تعرف كيف تستثمر وفي أي مجال تستثمر.

****

هناك أمر أود الإشارة إليه وهو ان التحدي في استضافة كأس العالم 2022 ليس أمام الدولة أو لجنة ما أو الجهاز الحكومي، بل إن التحدي هو أمام كل مواطن في هذا المجتمع، بل المقيمين كذلك.

أنا وأنت مسؤولون في المساهمة من الآن في إنجاح هذا الحدث، وأبسط الأشياء هو التمثيل المشرف، وتقديم صورة حضارية لقطر في الداخل والخارج، فاليوم الإنسان القطري تحت المجهر أكثر مما كان في الماضي، فعندما تقول إنك من قطر يعني أنك من بلد بات حديث العالم أجمع، وأي سلوك غير منضبط قد يسيئ إلى وطنك، ومن المؤكد أنك لا ترضى بأن تكون محل انتقاد لهذا الوطن الشامخ في لحظة من اللحظات، وهذا يتطلب منا جميعا سلوكا حضاريا مهذبا، وتعاملا راقيا، سواء مع الآخرين أو في الطرق العامة، أو في حياتنا اليومية…، أنت الآن العالم كله ينظر إليك، فانظر ماذا ستقدم لهذا العالم عن نفسك او عن مجتمعك ووطنك؟ أترضى أن يتحدث العالم عن هذه الدولة التي أدهشت العالم بشيء من الانتقاد بسبب تصرفاتك وسلوكك في الحياة العامة؟.

لا أعتقد أنك سترضى بذلك.

صحيح ان ما تحقق في زيوريخ في الثاني من ديسمبر 2010 يعد إنجازا غير مسبوق، يحسب للقيادة القطرية، ويؤرخ لمرحلة جديدة لهذه الدولة الفتية، التي استطاعت أن تحقق ما عجز عنه آخرون طوال العقود الماضية، ولكن الإنجاز الأكبر باعتقادي ما يكمن خلف استضافة المونديال، والفريق الذي أدار معركة الانتصار، والشباب الذين حملوا لواء التصدي لهذه المهمة الجبارة، كيف تمكَّن هذا الفريق من التفوق وبجدارة على مَن سبقوه سنا، وخبرة سنوية عدديا وقدم للعالم نماذج مضيئة من الشباب العربي المؤهل والمنفتح والقادر على صنع التاريخ بكل جدارة واستحقاق.

 

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x