مقالات

مسلسل يتحكم في حياتنا

اعترف انني لم اشاهد حلقة واحدة من المسلسل التركي “نور”، ولكنني سمعت عنه الكثير، وقرأت من الحوادث المترتبة عليه الشيء الاكثر، وتابعت القصص التي اثيرت حول هذا المسلسل بشيء من الغرابة والاندهاش، فهل يعقل ان يستطيع مسلسل مبني على الخيال والرومانسية ودغدغة العواطف.. اشغال الرأي العام العربي بهذه الصورة، ام ان الخواء الروحي والاوضاع “الانهزامية” التي تعيشها امتنا هي التي جعلت مجتمعاتنا العربية منشغلة الى هذا الحد بهذا المسلسل ؟. المسلسل حسب معلوماتي لا يحمل مضمونا، ولا يناقش قضية حيوية تهم مجتمعاتنا، ولا يتحدث عن فكرة يمكن البناء عليها ايجابيا، اللهم الحديث “الساذج” و”الناعم” عن الحب والغزل والعلاقات غير الشرعية… ، وبغض النظر عن غياب المضمون، هل وصل بنا الحال الى ايلاء هذا المسلسل كل هذه الاهمية وكأن حياتنا العربية قد خلت من كل المشاكل ؟. لن اتحدث عن الخلافات السياسية التي تعصف بالعلاقات العربية ـ العربية، ولن اتحدث عن الجرائم التي ترتكب بحق الشعوب العربية، ولن اتحدث عن الحقوق العربية المغتصبة، ولن اتحدث عن المواطن العربي المسلوب الارادة، .. ، لن اتحدث عن هذا وذاك ، انما عن القضايا الحياتية والمعيشية لكل فرد منا ، هل غابت عنا كل المشاكل، واستطعنا ان نوجد حلولا لقضايانا الاجتماعية، سواء كانت اسرية او تربوية او اخلاقية.. ؟ هل وصل بنا الحال الى الانشغال بمسلسل وجعله من اولى الاولويات، بينما ترك الاولويات ونسيانها وتجاهلها بصورة غير مقبولة ؟ هل يعقل ان تظل الاسرة ـ الاب والام ـ امام شاشة التلفاز لساعة او اكثر ـ وربما متابعة الاعادة كذلك ـ بينما لا يكلفان انفسهم الجلوس مع ابنائهم لنفس المدة الزمنية في دراسة او جلسة تربوية او لقاء ابوي حميم ؟ هل يعقل ان تتفكك اسرة وتحدث حالات طلاق بين الزوجين لعدم تطابق ما يشاهدانه في مسلسل “نور” مع حياتهما اليومية؟ هل يعقل ان ينصرف الجميع لمتابعة هذا المسلسل فيما البرامج ذات المضمون لا تجد لها من يتابعها ؟ . هناك خلل كبير في المفاهيم تعيشه مجتمعاتنا العربية، هناك جهل بالاولويات، وهو ما دفع بنا الى جعل الامور “التافهة” تتصدر اولوياتنا، ونقاتل من اجل ترسيخها في اذهان الاجيال، فيما القضايا الجادة والتي تحدد مصائرنا ومستقبل ابنائنا نغيبها عن افكارنا، ونجعلها في “الدرك الاسفل” وفي آخر اهتماماتنا واولوياتنا ؟ . لا نريد للترفيه ـ اذا كان هناك من يسمي هذه المسلسلات بذلك ـ ان يستحوذ على كل اوقاتنا وتفكيرنا واهتماماتنا، بينما النظر في اعادة حياتنا اليومية الى مسارها الصحيح لا يشكل اي قيمة ، ولا نبذل في سبيله اي جهد..، نريد على اقل تقدير توازنا بين الامور، والا نترك للآخرين يسيرون حياتنا وفق رؤاهم، ويتحكمون في طريقة ممارسة حياتنا حسب اطروحاتهم غير المتفقة ـ في الغالب ـ مع قيمنا واخلاقياتنا وعاداتنا وتقاليدنا.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x