كتاب خطاب أمة

15 يناير 2015

صدر مؤخراً للأستاذ جابر الحرمي كتاب «خطاب أمة»، وهو عمل توثيقي مهم لملامح السياسة القطرية الخارجية تجاه قضايا المنطقة، وذلك عبر خطابين تاريخيين لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، أولهما خطابه في الجلسة الافتتاحية العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وثانيهما خطابه في مجلس الأمن، حيث تضمن الخطابان توصيفاً دقيقاً لمواقف قطر تجاه جميع القضايا السياسية، التي تشغل منطقة الشرق الأوسط والعالم، إلى جانب الحوار الشامل والصريح الذي أجرته قناة «سي إن إن» مع سمو الأمير. ويجمع الكتاب بين دفتيه أربع مقدمات لشخصيات سياسية رفيعة المستوى عربياً ودولياً.

 

صناعة الذاكرة

ولعل أهم ما تحتاجه الشعوب هو توثيق اللحظة لصناعة الذاكرة الفردية والجماعية من أجل السير قدما إلى الأمام، فالمستقبل هو امتداد للحاضر الذي تمتد جذوره إلى الماضي، وهذا ما برع وأبدع فيه الأستاذ جابر الحرمي في كتابه الجديد من خلال مواقف سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر في الأمم المتحدة ومجلس الأمن”، إضافة إلى حوارات مع شبكة سي إن إن الأمريكية وهي خطابات ومقابلات ضمنت توصيفا واضحا وجليا لمواقف قطر على المستويين الإقليمي والدولي.. وهو عمل توثيقي مهم لملامح السياسة القطرية الخارجية تجاه قضايا المنطقة.
لقد تحولت قطر في العقدين الأخيرين إلى لاعب مهم ووازن في كثير من الملفات العربية بل والدولية، ما جعلها تتلقى السهام من كل طرف وحدب، ولعل فوزها بشرف استضافة تنظيم كأس العالم عام 2022 أثار عليها زوابع غير معقولة، وهو ما رد عليه سمو الأمير تميم بالقول: “هناك بعض الناس لا يريدون أن يقبلوا أن بلدا صغيرا مسلما عربيا يمكنه تنظيم حدث بهذا الحجم”، وهو ما ينطبق على الملفات الأخرى أيضا.
وقد ألتقط الحرمي الخيوط وربطها معا في حالة الانسجام ووضعها في سياق يمكن القارئ من فهم السطور وما بينها، سواء من خلال التحليل الشخصي أو شهادات شخصيات لها وزنها وتأثيرها مثل رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو ونائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي ورئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب ورئيس الوزراء الفلسطيني السابق إسماعيل هنية، وهي شهادات لها أهميتها الكبيرة والمؤثرة، مما يضفي على الكتاب بعدا إضافيا.
يبرز كتاب “خطاب أمة” النهج الثابت للسياسة القطرية في دعمها لخيارات الشعوب منذ اللحظة الأولى لبزوغ الربيع العربي عندما اختارت قطر خلال حكم الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الانحياز إلى خيارات الشعوب وتابع هذا النهج الأمير سمو الأمير تميم بعد توليه الحكم في يونيو 2013، وهو ما يؤكد الثوابت التي تنطلق منها السياسة الخارجية لدولة قطر وأنها نابعة من عمل مؤسسي بعيدا عن الأهواء والمزاجية وهو ما دفع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إلى القول إن “الموقف الحاسم الذي اتخذته دولة قطر وشعبها تجاه الربيع العربي كان مصدرا مستمرا للإلهام والتضامن مع الشعوب” وكانت خطابات الأمير أمام أهم محفل دولي “مرافعة باسم الشعوب المظلومة والمقهورة في سعيها للدفاع عن حقها في الحياة الكريمة، من فلسطين مرورا بالعراق وسوريا وبقية دول الربيع العربي، حيث تتعرض تجربة الثورة الرائدة على الاستبداد والظلم والفساد إلى تحديات حقيقية”، كما قال طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي السابق.

 

خريطة طريق واضحة
ولا شك أن الأمير “رسم خريطة طريق واضحة للقضايا التي تعطيها دولة قطر أولوية في سياستها الخارجية انسجاما مع مبادئها الثابتة.. فحين يتحدث سموه عن فلسطين والعراق وسوريا والعراق واليمن وليبيا وتونس ويتحدث عن موضوع الإرهاب بالطريقة التي سمعها العالم فإنه يرسخ القيمة الحقيقية للدول”، كما يؤكد رياض حجاب رئيس الوزراء السوري السابق. الذي أضاف أن “سمو الأمير تصدى لمهمة توضيح الحقائق وتصحيح صورة الثورة السورية في أكبر منبر دولي له أهمية خاصة”، واعتبر إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني السابق أن الشعب الفلسطيني “لن ينسى الزيارة التاريخية لسمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لقطاع غزة وبصحبته سمو الشيخة موزا ووفده الأميري والحكومي، حيث كان أول رئيس عربي يزور قطاع غزة ويكسر عنه الحصار، ولن ينسى شعبنا وقفة قطر الداعمة للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة وإصرار سمو الأمير على رفع الحصار، وإننا ما طلبنا شيئا لأهل غزة إلا ولبى سمة الأمير، ولم يتوان في تقديم يد العون والمدد الإنساني لمواجهة الحصار وإعادة الإعمار” مؤكدا أن “قطر ستبقى بأميرها وشعبها الوفي ”نخوة المعتصم“ لشعبنا وأمتنا”.
انتهجت السياسة القطرية خطا مستقلا خاصة فيما يتعلق بما يسمى “الإرهاب”، ورفضت الانسياق وراء التعريفات الغربية لمفهوم “الإرهاب”، وبين ذلك سمو الأمير تميم في مقابلة مع شبكة سي إن إن قائلا: “اليوم في الغرب يصفون كل الحركات ذات الخلفية الإسلامية بأنها إرهابية وهو أمر في غاية الخطورة وغير مقبول حقيقة فهناك حركات تحرر وطني ذات توجه إسلامي كما هو الحال مع حركة حماس.. ولا يعقل أن تكون حركة اكتسحت الانتخابات البرلمانية والرئاسية والدستورية ثم تتحول بعد يوم وليلة إلى حركة إرهابية كما هو الحال مع حركة الإخوان المسلمين حيث تمارس سلطات الانقلاب في مصر إجراءات قمعية ضدهم”.. كما قال سمو الأمير تميم.
لقد شهد العقد الأخير دورا سياسيا مميزا لدولة قطر على المستويين العربي والإقليمي تمايزت فيها عن معظم الدول والأنظمة العربية وحققت من خلاله نجاحا دبلوماسيا مشهودا وهو ما يسبر غوره كتاب “خطاب أمة” الذي يستحق القراءة.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x