حوارات

رئيس المؤتمر الوطني الليبي: قطر الإقدام والجرأة في التفاعل مع الثورات العربية

الحوار مع فخامة الدكتور محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني الليبي ليس مجرد سؤال وجواب لكن له أبعاد وأجواء أصبحنا نلمسها مع قادة الربيع العربي الذين نلتقي بهم، حيث تغير مشهد الزعيم والرعية، فالمجلس الذي يجلسه القائد ليس هو ذاك المجلس الذي كان يجلسه من حكم ليبيا 42 سنة، فكان هو الحاكم العالم ببواطن الامور لا يصحح له أحد جوابا ولا يردف على مقولته أحد ولا يعرف معارفه أحد، بينما تبقى شخصية رئيس المؤتمر الوطني الليبي وهو الرئيس المنتخب غاية في التواضع، جلس معنا بجواره سفير ليبيا الدكتور عبد المنصف البوري الذي اختارته الثورة سفيرا للدولة في الدوحة، وهو استاذ في العلوم السياسية وليس جنرالا يتزلف للنظام او القائد فيمنحه سفارة بلاده، أين هو من سفراء كانوا يرتعدون خوفا من أن يشير اليهم الزعيم فلا يلمحون طرفة عينه، كانا يجلسون بعيدا بعيدا، كأن على رؤوسهم الطير، لكن سفير ليبيا الجديدة يختلف، بل وفي مفاصل الحوار كان يتدخل بكلمة او معلومة دون أن يخشى ان يطير من منصبه أو تطير رقبته كما في العهد البائد. الحوار مع الدكتور محمد المقريف جاء بعد لقائه أبناء الجالية الليبية في دولة قطر وبعد عناء يوم طويل من اللقاءات، فلم يعتذر عن لقاء الشرق أو يطلب العشاء، أو يفضل حفلا ساهرا يأنس فيه مع من كان يأنس بهم الزعيم، لكنه لبى طلب  ورحب باللقاء ولم يفصل بين لقائه مع الجالية ولقائه مع الشرق سوى دقائق معدودات، وجلس وتحدث وأجاب، فلما جاء الشاي تناول بعفوية المتواضع قطعة من البسكويت مع الشاي.. هو ليس ذلك الزعيم الذي يأكل فيشبع او الذي يتحدث بالكاد من فرط الشبع، أو الذي يتحدث بخائنة الأعين، أو يشير بأصبعه لبطانته فينقلب المشهد، أو يلمّح فتتفجر الأجساد، أو تقيد الايدي والارجل بالأغلال لتلقى في غياهب السجن، وهو ليس ذلك الزعيم الذي إذا انتقده شخص او هاجمه أرعد وأبرق، فعندما هاجمته سيدة في المؤتمر الوطني علانية رد عليها بأدب جمّ، وعندما هوجمت سيارته بالرصاص انسحب بهدوء ليبحث في الاسباب التي قادت من هاجمه ليعامله بعنف ويبدأ في حل مشكلاتهم، إنهم طراز خاص من القادة تستحقهم شعوبنا وتقر بهم أرواح الشهداء، فدمهم لم يذهب هباء.. قد لايكونون محظوظين وهم يقودون سفنا عملاقة في موج كالجبال، لكننا محظوظون بأن نحاورهم ونتعرف اليهم عن قرب،  الحديث مع رئيس المؤتمر الوطني الليبي تطرق الى الواقع الذي تحياه ليبيا بعد تولي المؤتمر الوطني ادارة الامور في البلاد نتيجة الاستحقاق الانتخابي الذي تلا مرحلة المجلس الوطني الانتقالي والحكومة الانتقالية بكل تجلياتها ومافيها من ايجابيات وسلبيات ورثها المؤتمر الوطني الليبي برئاسة الدكتور المقريف حيث تولى المنصب في اغسطس 2012  وكان عليه التعامل معها خاصة على صعيد الوضع الامني وما يصاحبه من فوضى في حمل السلاح الثقيل والخفيف ، وفوضى التشكيلات المسلحة والكتائب التي تجوب شوارع ليبيا بل وتحاولفرض القوانين والتشريعات ليس تحت قبة البرلمان ولكن تحت فوهة المدافع وهو الوضع الذي أكد الدكتور المقريف انه يرفضه جملة وتفصيلا ولو أدى ذلك الى تركه منصبه .وفخامة الدكتور محمد يوسف المقريف من مواليد بنغازي، ليبيا 1940 تم انتخابه من قبل أعضاء المؤتمر الوطني ضمن ثلاثة مرشحين وهم على زيدان ومحمد المقريف وعبد الرحمن السويحلي.

وهو أكاديمي ومؤرخ وسياسي وديبلوماسي. يعد من أقدم وأبرز المعارضين لحكم العقيد معمر القذافي الذي حكم ليبيا لأربعة عقود، حيث عارضه المقريف منذ عام 1980 (31 عاماً) عندما قدم استقالته وأعلن انفصاله عن نظام القذافي، احتجاجا على انتهاكات حقوق الإنسان وتدمير مؤسسات البلاد.

وشغل وظيفة أستاذ جامعي في ليبيا وتولى عدة وظائف إدارية وسياسية قبل اعلان معارضته لنظام القذافي.  وتخرج من كلية الاقتصاد والتجارة بالجامعة الليبية عام 1962 بتقدير ممتاز مع درجة الشرف الأولى، وعين معيداً بالكلية ذاتها. وأكمل دراسته العليا ببريطانيا عام 1971 حيث نال الدكتوراه في مجال المحاسبة والمالية من جامعة لندن، وحصل على زمالة جمعية المحاسبين القانونيين بإنجلترا وويلز، وعضوية جمعية خبراء الضرائب ببريطانيا. وعين 1971 أستاذ جامعياً محاضراً بكلية الاقتصاد بالجامعة الليبية (التي عرفت بقاريونس)، ثم وكيلاً للكلية وعين عام 1972 رئيساً لديوان المحاسبة في ليبيا (بدرجة وزير) وبقي في هذا المنصب حتى عام 1977.

وفي عام 1978 تم تعيينه سفيراً لليبيا لدى جمهورية الهند. وأعلن عام 1980 استقالته من منصبه كسفير في الهند وانضمامه إلى المعارضة الليبية في سعيها للإطاحة بنظام القذافي وإقامة بديل وطني دستوري ديمقراطي راشد.

وشارك عام 1981 في تأسيس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وانتخب أميناً عاماً لها في الأعوام : 1983، 1985،1992، 1995. واستقال عام 2001 من قيادة الجبهة، ووجه اهتمامه للبحث والتدوين والعمل الأكاديمي، حيث قام بتأليف عددٍ كبير من الكتب الاكاديمية والتوثيقية التي وثقت وسجلت الكثير من وقائع التاريخ السياسي الليبي الحديث منها :

  • كيف خرب القذافي اقتصاد ليبيا
  • ليبيا بين الماضي والحاضر 4 مجلدات
  • ليبيا من الشرعية الدستورية إلى الشرعية الثورية
  • جرائم اللجان الثورية في ليبيا
  • مأساة ليبيا ومسؤولية القذافي
  • انقلاب بقيادة مخبر
  • القذافي – البليونير الفقير

***

◄ التقيتم بسمو الأمير وسمو ولي العهد.. كيف تقيم لقاءكم وزيارة قطر عموماً؟

► كان لقاء غاية في الود والصراحة، وتحدثنا في شئون تخص المنطقة ككل، وبلدان الربيع العربي، ثم العلاقات الثنائية بين البلدين،

وكان جوهر الرسالة هو التأكيد على عمق وقوة العلاقة التي تربط ليبيا الجديدة بدولة قطر، وثمنا الدور القطري الكريم والسخي والشجاع تجاه الثورة الليبية، الذي قدمه سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وقدمته دولة قطر.

وقد كان من أعظم المعاني التي عشناها اختلاط الدم القطري بالليبي في معركتنا من اجل الحرية، في استشهاد المصور القطري علي الجابر — رحمه الله،

لذا لا يمكن لكل أحرار ليبيا أن ينسوا الدور القطري معهم، فقد كانت سباقة وشجاعة ومقدامة.

لذا نحن نثمن هذا الدور وسوف نظل نثمنه ولن يقلل من هذا الأمر أي أصوات تحاول أن تنال من هذا الأمر وتحاول أن تنال من هذه العلاقة.

 

دعم قطري

◄ ماهي آفاق التعاون في المرحلة المقبلة بينكم وبين قطر.. هل هناك تصور للتعامل المستقبلي؟

► استمرار الدعم السياسي على الصعيد الدولي من قبل قطر للثورة الليبية، أعتقد أن هذا أمر في غاية الأهمية.

وفي المجال السياسي هناك تنسيق بين المواقف ومواجهة كل القضايا في المنطقة، ثم أيضاً في التعاون الفني والاقتصادي والتنموي، والمجالات المختلفة، مثل التعليم والنفط والغاز والقضاء، ومكافحة الفساد وملاحقة الأموال المهربة بالخارج.

كلها مجالات مفتوحة للتعاون، ولديكم الكثير في قطر مما ينبغي أن نستعيره منكم، لأن ليبيا الجديدة، ستكون دولة منفتحة على تجارب الشعوب والعالم، وبالتأكيد ستكون هناك ميزة في التجارب العربية الناجحة لأنها وجدت في بيئة تربطنا بها نفس الثقافات ونفس الدين والمصالح العليا البعيدة.

◄ هل المجال العسكري من بين مجالات التعاون؟

► بالتأكيد، وسوف يكون في مجال التدريب، ولدينا أعداد من الطلاب في مختلف الكليات العسكرية، ولا يخفى عليكم أن موضوع بناء القوات المسلحة يأتي في مقدمة الأمور التي تشغل الدولة الليبية في المرحلة المقبلة.

وسوف تكون احتياجاتنا كبيرة من حيث العدد ولكن نريد أن ننوع المدارس حتى تتكون لدينا طلائع من الضباط في مختلف التخصصات وفي مختلف المدارس والتدريبات.

وأعتقد أن تجربتنا والحمد لله ناجحة بالنسبة للشباب الذي أرسل إلى قطر.

 

أموال منهوبة

◄ بالنسبة للأموال المهربة من يمثل الأمم المتحدة هو الدكتور علي بن فطيس المري.. إلى أي مدى ساهم تعاونه وجهده في هذا المجال لاسترداد الأموال الليبية؟

►  في الماضي كان هناك تقاعس شديد، ولم تكن استعانتنا بالدكتور علي المري والاستفادة من مكانته بالشكل الذي ينبغي.

لكن الحقيقة أنا سعيد بلقائه لأنه أطلعني على كثير من الجوانب التي نحن في حاجة شديدة لخبرته ومكانته فيها.

◄ هل هناك أي بوادر لاستعادة بعض الأموال المهربة بالخارج؟ خاصة وأن البعض يتحدث عن أنها قدرت بعشرات المليارات من الدولارات؟

► هناك من يقول ان قيمة المبالغ المهربة تقترب من تريليون دولار، ولكن ما أعرفه أن الرقم لن يقل عن مائتي مليار دولار، وهناك مجال آخر نريد أن نستفيد فيه من خبرة قطر وخبرة الدكتور على المري على وجه التحديد، في مجال مكافحة الفساد.

لأن الفساد في ليبيا تركة ثقيلة ورثناها عن النظام المنهار، استشراء الفساد وشيوعه بشكل مخيف ومزعج ويهدد أي مشروع، فالفساد لدينا كان إدمانا عند بعض الليبيين في كل مستويات الإدارية.

وللأسف وصل الفساد للمواطن نفسه، والحصول على الخدمات الطبيعية الأساسية التي من المفترض أن تقدم له بدون أي مقابل لايحصل عليها الا بالرشوة نتيجة مخلفات الماضي.

 

دولة مؤسسات

◄ هذا يقودنا للحديث عن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة الليبية.. هل بدأتم خطوات في هذا الصعيد؟

► للأسف ليس بعد.. هناك رؤى وتصورات ومحاولات لكنها تأخرت بعض الشيء، وفي السنة الماضية لم يسجل للحكومة الانتقالية أية خطوات تذكر في هذا الأمر.

وفي فترة الحكومة السابقة صدر قانون الحكم المحلي، للمحافظات والبلديات وللأسف أصبح حبراً على ورق.

لكن الآن هناك محاولات لتفعيل هذا الأمر، أولاً بضبط الإدارة وإصلاحها وتحقيق اللامركزية التي يدعو لها الجميع لأن بلادنا عانت كثيراً من موضوع المركزية، وأعتقد أن معاناة المواطن الليبي في ظل المركزية الشديدة المقيتة، كانت لاتقل عن صور الاستبداد الأخرى التي عاناها الشعب الليبي في ظل النظام المنهار.

هذا الأمر في غاية الأهمية وهناك تحرك، وصدرت اللائحة التنفيذية لهذا القانون ثم شرع في تنفيذها بتدرج في البلديات ثم ينتقل إلى المحافظات ان شاء الله.

◄ فيما يتعلق باحدى القضايا الكبرى وهي الهاجس الأمني.. كيف يتم معالجة هذا الملف المعقد جداً في الساحة الليبية مع انتشار السلاح بين الليبين؟

► أولاً هناك إجماع أنه لا يمكن أن يكون هناك ديمقراطية دون أمن ولا تنمية دون أمن.

فإذا كان من أهدافنا الرئيسية في المرحلة القادمة بناء الديمقراطية والشروع في وضع أسس التنمية وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فبدون أمن لن نستطيع أن نحقق هذا.

وللأسف الشديد، انهيار المؤسسات الأمنية كلها بعد نتيجة أحداث الثورة التي اندلعت في 17 فبراير 2011، وما صاحبها من انتشار للسلاح وليس السلاح الخفيف فقط بل الثقيل أيضاً، ووقوعها في أيدي عناصر كثيرة بعضهم ثوار حقيقيون، وكان لدينا 17 ألف سجين أطلق سراحهم نتيجة الثورة، وقبلها وهؤلاء بعدما خرجوا ادعوا من جديد أنهم ثوار وكونوا كتائب مسلحة ويقاتلون الأجهزة الامنية.

لذا تخيل الوضع الأمني في ليبيا، فقد انهار، بالإضافة للشرطة وأجهزة الأمن، وكان هناك انهيار في الجيش والقوات المسلحة، وهي التي تشكل جزءاً مهماً في المسألة الأمنية داخلياً وخارجياً.

وأغلب عناصر الجيش قبل انهياره كاملاً كانت موالية للنظام وتابعة له، وهذا شكل بعداً آخر من تعقيدات المسألة الأمنية، وأيضاً الحاجة الملحة إلى القيام بها، وهذا الأمر للأسف الشديد على قدر تعقيده لم يلق اهتماماً.

على الأقل كان في المرحلة الانتقالية في حكومة الكيب كان من المفترض أن يتم وضع تصورات ورؤى وأسس بناء ومعايير لإعادة بناء القوات المسلحة.

للأسف حتى هذا الشيء لم يتم، وما وقع كان الارتجال مع هذه المسألة.

 

تردد

◄ لكن بعد قيام بعض الكتائب بمحاصرة بعض الوزارات والمؤسسات.. أليس هذا مؤشراً ينذر بوصول الإنفلات الأمني إلى مراحل متقدمة جداً؟

► الحقيقة، التأخر والتردد الذي شاب أداء الحكومة الانتقالية، حكومة السيد الكيب، في التعامل مع المسألة الأمنية من مختلف أبعادها أنشأ أوضاعاً أمنية مختلة ومكن هذه الكتائب أن تتمترس على الأرض وتكون لها معسكراتها وسجونها، وجعل من الصعب أن يفرض عليها واقع جديد تلتزم فيه بشرعية الدولة.

هناك بعد آخر في الموضوع، هو أن بعض القضايا السياسية التي لم تحل، أوجدت نوعاً من الاحتقان والنقمة والشعور بالغضب لدى قطاعات مهمة وكبيرة جداً من الشعب وفي مقدمتهم الثوار، وهؤلاء الناس يشعرون بنوع من الغبن والإقصاء، وهذا طبعاً مع بقاء الأسلحة في يد البعض، أغرى هؤلاء باللجوء إلى السلاح للتعبير عن غضبهم.

لكن من الأمور التي لا أنساها أنه رغم انتشار السلاح والانفلات، تظل الحوادث قلقلة وبسيطة، فكثير من الأجانب الذين يزورون البلاد ويلاحظون انتشار السلاح بهذه الكثرة وبهذا العدد يستغربون كيف أن الوضع الأمني لم ينفرط والحوادث وصور الاعتداءات محدودة نسبية، ومنهم من يقارن الوضع ببلاده، ويقول: تخيل لو أن بلادي فيها عشر هذا الكم من السلاح لكانت الحياه تحولت إلى جحيم.

وهذا من فضل الله ثم لأن الشعب الليبي يدرك مدى خطورة الانزلاق، في هذه الأمور، ثم لأن انتشار السلاح شكل نوعاً من الردع المتبادل، فلن تجد مجموعة نفسها هي الوحيدة التي تملك السلاح فتخشى ان استعملت السلاح أن يستعمل ضدها، لكن بلا شك هذا وضع شاذ ومرفوض ولابد أن نتخلص منه في أسرع وقت.

◄ كم نسبة الذين يحملون السلاح من أعضاء النظام السابق؟

► لا أعتقد.. يمكن أن يكون في بعض المناطق خارج طرابلس في الجنوب بالذات، هي المنطقة الوحيدة التي قد يكون بها نوع من التهديد، ومن احتمالية أن يكون بها عناصر تحمل السلاح.

 

مشاهد مرفوضة

◄ لكن استخدام السلاح في إقرار القوانين وتشكيل ليبيا المستقبل.. كيف ترى خطورته؟

► هذا أمر مرفوض بالكامل، وقدر مررنا بتجربة قاسية جداً خلال شهر مارس الماضي، هو أن المؤتمر الوطني عقد جلساته مضطراً خارج المقر المعتاد، وفجأة وجدنا من يقتحم القاعة ويحاصرنا فيها ويقتحمها، وكان عددهم كبيراً جداً.

كان عدد من الشباب المتزن الذي له مطالب منها إصدار قانون العزل السياسي، لكن كانت بينهم أعداد كبيرة من شباب كانت تصرفاته غير طبيعية ومنهم من كان مخموراً ومعهم السلاح وعلى امتداد 11 ساعة وطالبوا أعضاء المؤتمر بأن يصدر قانون العزل السياسي في وقتها، لكن كل الأعضاء رفضوا بشكل كامل أن يتم هذا الأمر ويصدر قانون تحت ضغط أو تهديد السلاح.

لذا لولا رحمة الله ولطفه لتحول الموقف إلى مشهد دموي، وسقط القتلى لأن كثيراً من هؤلاء الشباب مسلحون وأشهروا السلاح في وجه الجميع، ومنهم أنا، وتعرضت سيارتي إلى إطلاق الرصاص عليها.

وقد أصدرنا قانوناً ضد التظاهر غير السلمي، لكن للأسف الشديد أتى بحكم عدم تفعيل الأجهزة الأمنية، لأننا نرفض استخدام السلاح في تهديد أي مواطن، وقد استخدمه البعض ضد الوزارات والمؤسسات الحكومية في الآونة الأخيرة.

◄ إذن ما المعالجات.. خاصة قضية انتشار السلاح والمجموعات المنفلتة وبقايا النظام؟؟

► المشكلة أن الوقت لم يسعفنا ونحن نريد مكافحة الفساد مثلاً.. وهذا لا يحتاج فقط لتشريعات وقوانين، بل يحتاج أيضاً لعناصر تنفذ القانون، لذا كيف تستطيع أن تنفذ هذا الأمر بعناصر أنت غير مطمئن لها.

لذا نحن نحتاج لعملية الفرز هذه، وأيضاً بالنسبة للعناصر الأخرى، لتنفيذ أي قانون من القوانين الأخرى، تحتاج لعناصر من الشرطة والقوات المسلحة، وكانت عملية الفرز والاختيار حتى لا نقع أسرى لمن يحملون الولاء للنظام القديم، لذا نحن في سباق مع الزمن.

 

قانون لابد منه

◄ ألا يقود هذا لحتمية صدور قانون العزل؟

► نعم لابد منه. نحن لسنا بدعا من الناس، هناك دول أوروبية وإفريقية وأمريكا الجنوبية ومصر والعراق صدر فيها قانون العزل السياسي.

والهدف منه هو اقصاء وإبعاد العناصر التي أسهمت في إفساد الحياة السياسية، وهذا أمر طبيعي ومنطقي، ولا يمكن أن يتوقع من عناصر جبلت على ممارسة الفساد بكل صوره، المالي، والأخلاقي والسياسي ان تبني ليبيا الجديدة.

لكن بعض العناصر التي أسهمت وشاركت وشهدت ما وقع للشعب الليبي خلال أربعين عاماً مضت ظلت تتصور لمجرد أنها وقفت مواقف معينة أو ساندت الثورة أو انشقت عن النظام، تعطي الحق لنفسها أن تتصدر هي المشهد السياسي وتحت منها مال فاسد وإعلام.

كما أن المواطن العادي يخيفه هذا الأمر، والثورة لابد أن تستمر ولا يعود هؤلاء إلى التحكم في النظام السياسي، هؤلاء بدا عندهم نوع من الخوف والاستفزاز، أن هذه العناصر سوف تسيطر على العملية الدستورية في الانتخابات القادمة والبرلمان والمشهد السياسي من خلالها.

فتصور أن الوسيلة الوحيدة أمامه والسلمية، هي قانون العزل السياسي، وهذه العناصر بحكم وجودها في المشهد السياسي حاولت أن تصور أن هذا المشروع مغالى فيه أو مشروع غبي أو أحمق أو ذو طابع انتقامي.

وهذا ما شوهد في المسودات التي قدمت لهذا المشروع في فترة طويلة، وهنا حدث ما حدث من تلكؤ وتراخٍ في اصدار مشروع القانون.

أعتقد الآن بأننا بلغنا درجة من الحكمة في نوع من الرشد..

◄  ومتى تتوقع صدور القانون؟

► يتوقع خلال هذا الاسبوع، لكن في ظل هذه التحشدات والسلاح فان هذا مناخ غير صحي بصرف النظر عن قانون العزل السياسي او اي قانون آخر والهيئة البرلمانية والتشريعية ينبغي ان تتوافر لها 3 شروط الاول هو الاستقلال الاداري والمالي والامني ولا يمكن لهيئة تشريعية ان تصدر قوانين تحت تهديد السلاح هذا شيء مرفوض وهذه بديهية ولا يشرف هؤلاء الناس ان يقولوا انهم انتزعوا هذا تحت تهديد السلاح ويمكن ان يطعن في هذا الامر مستقبلا بأي صورة من صور الطعن.

◄ إذا تحدثنا عن السياسة الخارجية والعلاقات مع دول الجوار ونبدأ بالاتهامات الاخيرة من تشاد للسلطة الليبية بأنها تؤوي عناصر تعمل ضد نظام الرئيس ادريس ديبي من ليبيا؟فهل هو كذلك ام ان هناك من يستغل عدم سيطرة الدولة على مفاصل الامن؟

► هذا الانفلات الامني غير منضبط انضباطاً كما نتمناه وبالتأكيد هو معروف لدى جيراننا وربما كان هناك اتهام في مالي على اساس ان السلاح الذي استعمل في مالي وجد طريقه من ليبيا في هذا الادعاء وهذا موجود لكن حسب المعلومات التي لدينا فان هذه الادعاءات من قبل الرئيس التشادي لا أساس لها من الصحة وأتصور انه عنده وضع داخلي صعب ومتأزم ويريد ان يلقي باللوم على جهة من الجهات.

◄ لكن خروج السلاح الى دول الجوار تحدثت به اكثر من دولة مجاورة لكم حتى مصر قالت إن هناك سلاحاً ليبياً دخل اليها؟ ووصل الى حماس؟

► حتى اسرائيل، هذا حدث بالتأكيد في مراحل الثورة الاولى فالحدود لم تكن منضبطة اطلاقاً وقد تستغرب من وجود مجموعات استغلت الحالة وهذا غير مستبعد ان يكون حصل.

◄ لكن حالياً ألا يوجد خروج للسلاح الليبي؟

► خروج غير مشروع ربما يحدث.

 

التخلص من الطغاة

◄ فخامة الرئيس ربما دول الربيع العربي الى الآن تعيش حالة من القلق وعدم الاستقرار كيف تنظرون الى هذه الاوضاع؟

► اولا هل كانوا يتوقعون بقاء الشعوب تحت سيطرة هؤلاء المستبدين والطغاة؟ تعاني ما تعاني وتنزف ما تنزف من دماء وتدفع ما تدفع من ثمن نتيجة بقاء هؤلاء؟ حقيقة ليس عندنا خيار وليس لدى الشعوب خيار الا ان تثور وتتخلص من الطاغية طالما انهم لم يتعظوا مما مر بغيرهم ولم يكونوا جادين في محاولات الاصلاح حسب ادعاءات البعض منهم وبعد ان وصلت الامور الى ما وصلت اليه في مجتمعاتهم من احتقان كان لابد ان تقوم هذه الثورات واي ثورة هي زلزال وليست عملية تطور طبيعي يصاحبها ما يصاحبها من كل صور العنف وما يترتب عليه وبقدر ما يكون الزلزال في البدء بقدر ما تكون التوابع والارتدادات والنتائج وما حصل كان لابد ان تترتب عليه مشاكل كبيرة وتحديات كبيرة، وايضا حتى بعض المظالم التي تقع وايضا يستتبع ذلك حراك سياسي واجتماعي غير عادي تشارك فيه قوى تتبع النظام القديم وقوى جديدة تحاول ان تثبت اقدامها على الارض وهذه المحصلة العامة في النهاية لايخالجني شك في انها ستكون افضل بكثير لوضع هذه البلدان في وضع افضل بكثير مما كانت عليه في السابق تحت هؤلاء الطغاة، والقضية كم من الوقت سيستغرق في هذا البلد او ذاك مسار الحراك السياسي والاجتماعي بل وحتى الصراع وما هي درجة الوعي الموجودة لدى كل شعب من الشعوب ووجود مؤسسات او عدم وجودها وفي الحالة الليبية لم يكن لدينا دستور وبقينا 42 سنة بلا دستور ونحكم بمزاج شخص واحد كل يوم يتقلب ولم تكن لدينا مؤسسات ولم تكن لدينا اي تقاليد في الاداء او العمل في اي مجال كانت حالة من الفوضى المتواصلة الضاربة بأطنابها في كل مفاصل الحياة وايضا الثورة الليبية كانت اخذت منحى مضطرة استخدم فيها العنف وترتبت عليه صراعات كثيرة وجراحات وحساسيات وثأرات ولم يكن امام الشعب الليبي من خيار الا ان يلج هذا الباب باب الثورة بكل تحدياتها وبكل مطالبها وبكل نتائجها وبالتأكيد الشعب الليبي اليوم في وضع افضل مائة مرة على الاقل عنده فرصة في ان يبني دولته التي يريدها بدستورها ومؤسساتها وتوجهاتها التي تعبر عنه وفي ظل النظام السابق لم تكن هذه الفرصة موجودة وكان يمكن لهذا الامر ان يستمر لعقود اخرى قادمة فيما لو حدث ما كان يخطط له النظام.

 

مذكرات تسليم

◄ العناصر الموجودة في الخارج والمحسوبة على نظام القذافي ومنها من هو في مصر ومن هو في الجزائر او دول اخرى هل لديكم مطالبات بتسلمهم؟

► نعم هناك مذكرات لتسليم هؤلاء بحيث تتم المسألة بطريقة قانونية صحيحة وايضا لأن المجتمع الدولي يراقب تصرفات ليبيا وحتى الدول المستضيفة لهؤلاء الاشخاص لا نريد ان نسبب احراجا وفي نفس الوقت لدينا من الادلة والقرائن مايكفي ليعطينا الحق في ان نطالب بهؤلاء وعددهم معروف ولكن المذكرات لم تستكمل بعد بالنسبة لعدد هؤلاء المطلوبين وذلك لان من الاشياء التي نعاني منها ايضا ان من يقومون بالتحقيق هم ايضا من المفسدين.

عندما كنا معارضة في الخارج كان لدينا تصور واضح ومتابعة دقيقة للامور وكان لدينا تجميع للمعلومات عن كل شيء ولكن عندما ترجع الى ليبيا تفاجأ بان بعض الناس الذين كلفوا بالتحقيق لا يفقهون ولا يدركون احداثا وقعت في ذاكرتهم ولا توجد سجلات عن هذه الاحداث ولا توثيق لدرجة ان احد المحققين جاء الحديث عرضا عن احداث 1984 المشهورة عندما قامت الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا بمحاولة التخلص من القذافي تجد محققين لايعرفون هذه الاحداث ولا يدرون ماذا حصل بينما مهمتهم التحقيق مع مجرمين، لكن الآن حدثت خطوة طيبة وهي تعيين نائب عام جديد من اجل ان يمضي هذا الموضوع قدما.

◄ النفط الليبي الى اين هل من امتيازات جديدة للدول التي ساعدت ليبيا؟

► هناك قرارات ليبية جديدة بفتح الامتيازات امام شركات جديدة للنفط وليبيا في حاجة الى ان تزيد من انتاجها من النفط وتطور صناعتها النفطية وتدخل في مشاركات جديدة.

◄ كم يبلغ انتاج ليبيا اليوم من النفط؟

► لايحضرني الرقم على وجه التحديد لكن اعتقد انه مليون ونصف مليون برميل يوميا وهناك توجه لزيادتها والمسألة تحت الدراسة لان هذا القطاع هو من القطاعات التي تحتاج فعلا الى التأني والتوازن وفق حسابات صحيحة ودقيقة لمعرفة الوضع عن الصناعة النفطية نفسها وكم هي بحاجة الى صيانة واعادة تجدديد واعادة بناء ومعرفة توجهات السوق العالمية واحتياجاتنا من الاموال التي نخصصها للتنمية والاستثمار ولكن يبدو ان هذا المجال تتحكم فيه حتى الآن بعض العناصر.

 

علاقات جوار

◄ علاقاتكم مع دول الجوار — فخامة الرئيس — كيف هي؟

► العلاقات مع مصر ممتازة وتطورت خلال الاشهر الماضية تطورا طيبا وهناك تعاون وتفاهم وتنسيق بيننا وبينهم وليبيا حاولت ان تقوم بواجبها نحو الاشقاء في مصر وفي تونس ولدينا تنسيق امني وتبادل معلومات وتعاون وهناك لجان مشتركة جرى تشكيلها للاشراف على برامج التعاون الانمائي والامني والقضائي بيننا وبين مصر وتونس. اما الجزائر فيبدو ان الامر ليس على نفس الوتيرة فهناك زيارات متبادلة حصلت

وهناك رغبة لدى الطرفين في ان نتجاوز المواقف المبكرة التي كانت للجزائر، ويبدو ان اخواننا الجزائريين أبطأ من تونس ومصر سواء في التعبير او في التنفيذ وبالنسبة لتشاد والنيجر اعتقد انهم يعرفون انهم يؤون عناصر من النظام القديم وهناك تحرك مريب لهذه العناصر، وجرت زيارات لرئيس الوزراء الى النيجر وتشاد وتم توقيع اتفاقية امنية بين ليبيا وتشاد والسودان ولكن حقيقة الامور ليست على المستوى الذي نتمناه ولا تزال هناك فلول للنظام يتحركون بأموال طائلة وللاسف الشديد قد تغري بعض العناصر للتحرك معهم.

◄ الثورة السورية عانت كما عانى الشعب الليبي من الاجرام والقتل والقصف بالصواريخ والطائرات وهي تكاد تكون منسية حتى من دول الثورات انتم كشعب ثائر كيف تدعمون هذه الثورة التي تواجه اعنف نظام؟

► الشعب السوري عانى اكثر مما عاناه الشعب الليبي حقيقة لطول المدة وتقاعس المجتمع الدولي عن القيام بمسؤولياته تجاه الشعب السوري وهي الحقيقة ربما كنا محظوظين

وربما لعب في هذا الامر الموقع الجغرافي بالنسبة للبلدين وبالنسبة للحالة المعقدة بالنسبة لموقع سورية ومحيطها الاقليمي وشيء محزن ان تستمر معاناة الشعب السوري الذي يدفع ثمنا باهظا ليس فقط نتيجة استبداد وجور واجرام النظام القائم ولكن ايضا بسبب تراخي المجتمع الدولي وتقاعسه والموقف العربي ونأمل ان تسفر هذه المسألة قريبا عن نهاية هذا الطاغية وتتحرر سورية والشعب السوري من سيطرته واستبداده والثورة الليبية أسهمت بالذات في المرحلة الاولى بما اسهمت به سياسيا وماديا، ولم تتغير النية والرغبة في نصرة الشعب السوري لكن حصل نوع من الفتور العربي.

 

سورية ستنتصر

◄ لكن القمة العربية الاخيرة اتفقت على منح السفارات السورية للائتلاف السوري ولم يتم ذلك كما فوضت القمة الدول العربية في تسليح الثوار فأين ليبيا من الامرين؟

► الفتور في الموقف الليبي تجاه الثورة السورية ليس راجعا لتبدل النية او تغيرها في دعم الشعب او الايمان بمظلمته ولكن راجع الى انشغالنا بالهم الداخلي وهذا ما اصابنا من فتور لكن نحن على ثقة بان الحالة ستتغير وستتوقف معاناة الشعب السوري وسينضم الى بلدان التحرر من الطغيان،

وفي هذا الخصوص ومن باب احقاق الحق فإن قطر لعبت دورا رائدا في هذا الخصوص وسيذكر لها التاريخ ولسمو الأمير هذا الموقف الرائد وهذا الإقدام وهذه الجسارة وهذه السرعة في التفاعل مع هذه الثورات وفي الحالة الليبية أذكر ان دولة قطر هي اول دولة اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي وهو موقف فيه مافيه من الجرأة والإقدام ثم ايضا كانت نشطة جدا من خلال مجلس التعاون الخليجي ومن خلال جامعة الدول العربية ومن خلال مجلس الامن ومجموعة الدول التي وقفت مع ليبيا حيث استضافت مجموعة التواصل وعقدت اول اجتماع للدول ثم الدعم الذي لم يتوقف سواء الاغاثي او المالي او العسكري وهو امر ليس بالهين.

◄ الذين ضاقوا ذرعا بالدور القطري هل هو كشف مبكر للفلول ولأزلام النظام السابق عن انفسهم؟

► في جزء منه هو على هذا النحو وكثير مما ينشر عبر وسائل التواصل هي من اقلام واصوات فلول النظام وللاسف الشديد ماحصل من الاصوات الاخرى لايعبر عن ضمير الشعب الليبي وانما يعبر عن مواقفها الخاصة والله اعلم بالدوافع التي بعثتها ودفعتها لاتخاذ هذه المواقف لكن يظل الشعب الليبي يحمل كل الامتنان والتقدير لموقف قطر وقائدها سمو الأمير.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x