مقالات

أولمبياد باريس.. دماء تختلط ببناء المنشآت

طوال 12 عاما، وهي المدة الفاصلة بين فوز قطر باستضافة كأس العالم لكرة القدم 2010، وافتتاح البطولة في نوفمبر 2022، كان كلما «كح» أو «عطس» عامل في أي قطاع يعمل في قطر، تلقفته «ماكينات» ما تسمى بمنظمات العمل أو حقوق الانسان في الغرب، لتصنع منه قصصا من الخيال، وتتحدث عما تسميه بالحياة «المأساوية» التي يعيشها عمال كأس العالم في قطر، رغم كل الشواهد التي كان تنفي ذلك.

قبل أيام كشف في فرنسا عن وفاة عامل في يونيو الماضي يبلغ من العمر 51 عاما، ولديه 5 أطفال، يعمل في تجهيز أحد المرافق الرياضية استعدادا لدورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024.

هذا العامل الذي كشف عن وفاته بعد نحو شهر، هو واحد ضمن عمال آخرين فقدوا أرواحهم ضمن مشاريع ومرافق يتم تجهيزها في فرنسا لاستضافة دورة الألعاب الاولمبية، لكن لا نجد هذا الصراخ – ولو نصفه بل عُشره – من نفس المنظمات الغربية التي لطالما تحدثت عن أوضاع حقوق العمال في قطر.

«كل يوم في فرنسا يموت شخصان في المتوسط في العمل، ويكون هناك العديد من الجرحى، بعضهم جراحهم خطيرة، إنها مذبحة غير مرئية، نادرًا ما تكون في قلب النقاشات السياسية أو الإعلامية، لكنها تحمل الكثير من التفاوتات المستمرة في عالم العمل».

هذا الملخص قدمه موقع ميديا بارت Mediapart الفرنسي لملف أعده عن معاناة عمال المنشآت، وبالذات تلك التي تهيئ لألعاب باريس الأولمبية.

باريس ومدن فرنسية وغربية أخرى هي نفسها التي رفضت نقل فعاليات افتتاح بطولة كأس العالم في قطر، ومنعت وضع شاشات عرض لمباريات تلك البطولة، أو السماح بإقامة ساحات للمشجعين، بدعوى انتهاكات لحقوق العمال كما يحلو لهم أن يسموها، في وقت كانت بيئات العمل والرواتب التي يتقاضاها عمال كأس العالم في قطر تضاهي نظيرتها في الغرب وأمريكا، إن لم تكن أفضل منها وتتجاوزها، مع وجود صندوق تعويضات لأي عامل قد يتعرض لمرض أو إصابة عمل، وقوانين تحفظ حقوقهم وحتى ساعات العمل وفترات العمل، كما هو قانون الإجهاد، الذي لا يوجد في الغرب مثيل له.

قبل عدة أشهر فجرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية، فضيحة مدوية، حيث كشفت عن معاناة العمال الأجانب الذين يتم استغلالهم بصورة بشعة في أماكن العمل، دون أن يتحرك الساسة الفرنسيون أو المنظمات الحقوقية والانسانية.

هؤلاء العمال أعربوا عن استنكارهم لظروف العمل، وتنقل الصحيفة في هذا الصدد عن أحدهم ويدعى «عبدو»، تأكيده: ‘‘ليس لدينا حقوق، ليس لدينا ملابس عمل، ولا توفر لنا أحذية أمان، ولا نتقاضى أجراً مقابل التنقل. ليس لدينا الحق في الفحوصات الطبية، ولا عقود عمل. إذا مرض أحدنا أو أصيب يقومون بتغييره في اليوم التالي’’.

وشاهدنا قبل أيام في مظاهرات شهدتها مدن فرنسية مختلفة على خلفية مقتل الشاب الفرنسي «وائل» كيف ظهر حجم الاحتقان من السياسات الفرنسية، فواقعة القتل على يد شرطي لطفل كانت مجرد شرارة فتحت جرحا عميقا في المجتمع الفرنسي.

ليست فرنسا البلد الغربي الوحيد الذي يشهد انتهاكات لحقوق الانسان ولحقوق العمال ولحقوق الاطفال، فهناك بلدان غربية أخرى تسير في نفس الركب الفرنسي، لكننا لا نجد انتقادات لهذه الدول لمخالفات عمالية، كما شهدنا ذلك في حالة قطر، التي تعرضت لهجوم ممنهج، وغير أخلاقي، ليس فقط من قبل منظمات وجمعيات تدعي أنها تحمل لواء الدفاع عن حقوق العمال، بل إن ساسة غربيين شاركوا في الهجوم على قطر، بينما لا نرى لهم حراكا أو تصريحا ولو مقتضبا – كوزيرة الداخلية الألمانية التي أساءت إلى قطر – عما يدور في المجتمعات الغربية من انتهاكات لحقوق العمال كما في الحالة الفرنسية، التي تستعد لاستضافة أولمبياد العام المقبل، وشهدت حالات وفيات في مواقع العمل، دون أن تجد التنديد المناسب، كما كان في الوضع مع قطر، التي كانت تستهدف بهجمات على كل المستويات.

المنظمات والجمعيات الحقوقية والإنسانية ووسائل الاعلام ومنظمات المجتمع في الغرب لا تتردد في توجيه الانتقاد والاتهام والإساءات لدول عربية وإسلامية تحت مبررات وأسباب وعناوين «فضفاضة» كما في مفاهيم حقوق الانسان أو العمال أو الأسرة، فلماذا لا نجد من المنظمات والجمعيات العربية والاسلامية إقامة نقاشات مماثلة لما يدور في المجتمعات الغربية من انتهاكات وممارسات لا إنسانية تجاه قطاعات العمال والأقليات والمهاجرين والأطفال؟!.

ومما يثير الدهشة صمت المنظمات الغربية عن المخالفات الجسيمة التي تقع في دول الغرب وتشددها تجاه حوادث بسيطة وعادية عند وقوعها في أي بلد خارج منظومة القارة الاوروبية، ولماذا يجوز لتلك المنظمات الغربية فرض سلطتها ومفاهيمها وثقافتها على مجتمعاتنا العربية، فيما تحجم منظماتنا العربية الحقوقية والإنسانية عن الحديث عن الانتهاكات التي تحدث في المجتمعات الغربية؟!.

لم تعد المعايير المزدوجة التي تتعامل بها الدول والمنظمات الغربية مع قضايا العالم العربي والإسلامي خافية عن العيان، فقد أصبحت مقززة وبصورة فجة.

وإذا عجزت منظماتنا العربية الحقوقية عن الحديث عن الانتهاكات والممارسات غير الأخلاقية، التي تحدث في المجتمعات الغربية، فإن على إعلامنا العربي تناول ذلك وإثارته بكل موضوعية ومصداقية ومهنية، لإطلاع الرأي العام على حجم تلك المخالفات والانتهاكات التي ترتكب في المجتمعات الغربية.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x