حوارات

الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود: تطور العلاقات القطرية – السعودية نتيجة طبيعية لروابط تاريخية عريقة

وصف صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبد العزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بالمملكة العربية السعودية الشقيقة التطور الذي تشهده العلاقات القطرية – السعودية بانه نتيجة طبيعية للروابط التاريخية العريقة بين البلدين، مشيرا الى ان علاقة المملكة العربية السعودية بدولة قطر علاقة تاريخية تجسدها أواصر القربى والجوار والمعتقد واللغة والتاريخ. واشاد في حوار شامل وصريح مع الشرق بالنتائج الايجابية والاتفاقيات التي تم التوصل اليها خلال اجتماعات مجلس التنسيق المشترك، معتبرا تطور العلاقات ثمرة مباشرة لحكمة القيادة في البلدين وفق ما يتطلع له سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأخوه صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني — حفظهما الله — ويسعد به الشعبان السعودي والقطري. وثمن سمو الامير نايف بن عبد العزيز الانجازات والمكاسب التي تحققها المملكة العربية السعودية، مشيرا الى ان ريعها يعود الى الدول العربية والاسلامية، مشددا سموه على ان تجارب المملكة الناجحة في كافة المجالات هي في متناول الاخوة في دول مجلس التعاون والدول العربية وتطرق سموه بالتحليل والتفسير والصراحة الى كافة التحديات التي تواجه المنطقة والامتين العربية والاسلامية شارحا المواقف العربية منها، مؤكدا ان المملكة تدعم التوجهات العربية الرامية الى وضع حلول ناجعة لها. وفيما يتعلق بسير عملية ترسيم الحدود بين البلدين قال صاحب السمو الملكي الامير نايف ان اللجنة الفنية المكلفة تسير في مهامها وفقا لما هو مأمول منها في ضوء توجيهات قيادتي البلدين، مشيرا سموه الى ان اللجنة الفنية المشتركة سوف تستكمل هذا العام ترسيم الحدود البرية وتعيين الحدود البحرية فيما وراء خور العديد. وتحدث سموه عن العمليات الارهابية التي تعرضت لها المملكة خلال الفترة الماضية، وما يثار من انتقادات لدول المجلس من قبل بعض منظمات حقوق الانسان وما اذا كانت دول المجلس تتعرض لضغوطات خارجية في قضايا الكفالة والاقامة والجنسية..، وجرائم غسل الاموال، وغيرها من القضايا.. وفي ما يلي نص الحوار

 

* تشهد العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر مزيداً من التقارب والتكامل بفضل توجيهات قيادتي البلدين الشقيقين، كيف يرى سموكم واقع ومستقبل هذه العلاقات؟

— علاقة المملكة العربية السعودية بدولة قطر الشقيقة علاقة تاريخية تجسدها أواصر القربى والجوار والمعتقد واللغة والتاريخ وما تشهده هذه العلاقة اليوم من تكامل وتقارب وفق ما يتطلع له سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأخوه صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني — حفظهما الله — ويسعد به الشعبان السعودي والقطري هو النتيجة الطبيعية لعلاقات الأشقاء بعضهم ببعض، وكما هو واقع هذه العلاقات زاهر سيكون مستقبلها مزدهراً بإذن الله تعالى.

مجلس التنسيق

* تولى سموكم في الاجتماع الأخير لمجلس التنسيق السعودي القطري رئاسة الجانب السعودي، إلى جانب سمو ولي عهد دولة قطر، كيف يرى سموكم عمل هذا المجلس؟ وهل اجتماعات المجلس ستكون دورية؟

— تسعى المملكة العربية السعودية إلى تطوير التعاون مع جميع الأشقاء في دول مجلس التعاون في جميع المجالات فيما يعود بالنفع والخير على شعوبها، ويأتي إنشاء مجلس التنسيق السعودي القطري في هذا الاطار تحقيقا لرغبة وتطلعات قيادتي البلدين الشقيقين المشتركة في تعزيز هذا التعاون، وقد تشرفت برئاسة الجانب السعودي في اجتماعات الدورة الأولى لمجلس التنسيق السعودي القطري نيابة عن سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز — حفظه الله — ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الجانب السعودي بمجلس التنسيق السعودي القطري، وهذا المجلس يعد إطاراً مؤسسيا سيضيف بحول الله لبنات قوية إلى مسيرة العلاقات التاريخية العريقة بين بلدينا والتي تحظى برعاية كريمة من لدن سيدي خادم الحرمين الشريفين وسيدي صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الجانب السعودي بمجلس التنسيق واخيهما صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر الشقيقة وسمو ولي العهد ورئيس الجانب القطري بمجلس التنسيق، ويصب في مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين ويعكس الرغبة الصادقة في تفعيل التعاون القائم بينهما وتطويره ليحقق ما تتطلع إليه قيادتا البلدين بفتح آفاق جديدة لتعزيز التعاون بينهما والارتقاء بها على كافة الأصعدة، كما أن عمل هذا المجلس يعتبر معززا لمسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية المتمثلة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الاعضاء في جميع الميادين، أما بالنسبة لاجتماعات المجلس، فإن المجلس يعقد اجتماعا سنويا بالتناوب في البلدين، وتسبق ذلك اجتماعات تحضيرية للجان المختصة.

ترسيم الحدود بين البلدين

* خلال الاجتماع الأخير لمجلس التنسيق السعودي القطري تم التوقيع على العديد من الاتفاقيات.. هل خرجت هذه الاتفاقيات إلى حيز التنفيذ على أرض الواقع؟

— إن الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال اجتماعات الدورة الأولى لمجلس التنسيق السعودي القطري تعكس رغبة وتوجه قيادتي البلدين الشقيقين بتوطيد العلاقات الأخوية التي تربط بينهما وتعزيزها في مختلف المجالات، وتعتبر نتاجا طبيعيا للعلاقات التاريخية المتميزة بين البلدين، والتعاون والتنسيق قائم حاليا بينهما، وهذه الاتفاقيات هي تأطير وتوثيق لهذا التعاون القائم على الواقع والدفع به قدماً للأمام، كما انها تفتح آفاقا جديدة لتوسيع هذا التعاون لما فيه مصلحة الشعبين والبلدين الشقيقين.

* كيف تسير خطوات ترسيم الحدود بين البلدين الشقيقين؟ ومتى يتوقع الانتهاء منها بشكل نهائي؟

— منذ أن تم التوقيع في مدينة جدة بتاريخ 2/7/1429 هـ على المحضر المشترك بشأن الحدود البرية والبحرية بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر، اتخذ البلدان الاجراءات التنفيذية له حيث تم تبادل الوثائق والتصديق عليه وعلى الخريطتين المرافقتين له في الدورة الأولى لمجلس التنسيق السعودي القطري المنعقد في الرياض وتم ايداع المحضر المشترك والخريطتين المرافقتين له لدى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، وكذلك باشرت اللجنة الفنية السعودية القطرية المشتركة اعمالها لتنفيذ المهام المنوطة بها وفقا للمحضر المشترك المذكور، حيث عقدت ثمانية اجتماعات مشتركة بالتناوب في البلدين، وهي تسير في مهامها وفقا لما هو مأمول منها في ضوء توجيهات قيادتي البلدين، وقد وقع رئيسا الجانبين في اللجنة الفنية المشتركة هذا العام عقد استكمال ترسيم الحدود البرية وتعيين الحدود البحرية فيما وراء خور العديد.

تطور المملكة

* تشهد المملكة نهضة شاملة في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين، ما انعكاس هذه النهضة على المسيرة المباركة للمملكة بلدا وشعباً؟

— نحمد الله على ما تحقق للمملكة من نهضة تنموية شاملة في مختلف المجالات بفضل الله ثم بفضل رعاية واهتمام ومتابعة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز — حفظهما الله — وهي نهضة قامت وتستمر في حاضرها ومستقبلها من أجل سعادة واستقرار الشعب السعودي الكريم والمقيمين معهم من الإخوة والأصدقاء الوافدين إلى المملكة، فضلاً عن أن ما يتحقق للمملكة من انجازات وما ينعم الله عليها به من خيرات هي في واقع حالها لا يقتصر نفعها على أبناء المملكة فحسب بل تمتد خيراتها ومكاسبها للعالم العربي والإسلامي.

أصحاب الفكر الضال

* استطاعت المملكة التعامل بوعي كبير مع أصحاب الفكر الضال وعودة الكثير منهم إلى طريق الصواب.. كيف يمكن حماية شبابنا من الأفكار التي تستهدف اختطاف أبنائنا والتغرير بهم؟

— إن منطلق المملكة الاساسي في تعاملها مع أصحاب الفكر الضال وسعيها لحماية شبابنا من الأفكار التي تستهدفهم وتغرر بهم نابع من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف التي انزلها المولى عز وجل في كتابه الكريم وبيئتها سنة رسوله عليه أفضل الصلاة والتسليم لهداية النفس البشرية وتسخيرها لعمل الخير والبعد عن الإفساد في الأرض، وإذا امعنا النظر في واقع مجتمعاتنا اليوم نجد أن فئة من شبابنا قد تأثرت بشكل مباشر أو غير مباشر بمؤثرات خارجة عن التعاليم الإسلامية الصحيحة، كما أن الكثير ممن تم التغرير بهم لم يعوا الأهداف الهدامة لمن يقف وراء الترويج للفكر الضال، ومن هنا تأتي أهمية حماية المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه أبناؤنا بكل مكوناته ومؤثراته وضرورة أن يكون هذا المحيط قادراً على تحديد معالم التفكير السليم والسديد لدى أبنائنا باعتبارهم الشريحة الأهم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية الذين يتوقف على سلامة فكرهم وسداد تفكيرهم صلاح الأمة واستقامتها وعزتها وسؤددها.. وفي اعتقادي أننا إذا اعطينا هذا الأمر على المستوى العربي والإسلامي ما يستحقه من الاهتمام فإننا سنكون بإذن الله قادرين على حماية أبنائنا من المخاطر المحيطة بهم.. ففي حمايتهم حماية لحاضر الأمة ومستقبلها باعتبار أنهم قوام هذا الحاضر وأساس ذلك المستقبل.

المملكة والإرهاب

* حققت المملكة انتصارات ملموسة على العناصر الإرهابية، وهذا ما يلاحظ من خلال توقف العمليات الإرهابية خلال الفترة الماضية، هل نستطيع القول إنكم كسبتم المعركة ضد الإرهاب؟

— ليس بخاف أن المملكة من أكثر الدول المستهدفة بالإرهاب، ولكن بتوفيق الله عز وجل ثم بدعم وتوجيه سيدي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي عهده الأمين، وبجهود رجال الأمن المخلصين وتكاتف المواطنين والمقيمين استطاعت المملكة ولله الحمد أن تضع حداً لهذا الشر وأن تفشل المئات من المحاولات التخريبية، وتم كشف ضلال هؤلاء المفسدين وبطلان حججهم وخروجهم عن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وأخلاقنا العربية الأصيلة، وباتت التجربة السعودية تجربة رائدة حظيت بتقدير وإعجاب العالم وسعت دول كثيرة للاستفادة منها، ونحن نعمل على تعميق وتطوير هذه التجربة وفق متطلبات العمل الأمني وتعدد المتغيرات والظروف المحيطة به، أما القول بأننا كسبنا المعركة ضد الإرهاب فلا أحد يمكنه القول بذلك، فالصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر صراع أزلي وبالتالي فالجريمة موجودة ما دام الإنسان موجودا، وإذا أمعنا النظر في العمل الإرهابي نجده نتاجا لفكر غير سوي وهو ما يعني أن الفعل الأمني الاجرائي في منع الجريمة الإرهابية يتطلب جهداً علمياً موازياً ومتواصلاً يعمل في مسار تجفيف منابع ومحفزات الفكر الضال وبناء حصانة فكرية لدى الأجيال ضد المؤثرات السلبية أياً كان مصدرها وعلى نحو يجعل الفرد قادراً على تمييز ما يقال له أو يدعى إلى فعله في ضوء صالحه وصالح وطنه وأمته.. أي أن الجهد العلمي لمواجهة الجريمة على نحو العموم في إطارها الفكري جهد بعيد المدى يهدف إلى تحصين الأسوياء ليبقوا على استقامتهم كما يهدف إلى معالجة النوازع الاجرامية والانحرافية لدى من تتوافر لديهم مثل هذه النوازع أو يخضعون لتأثير فكر منحرف بشكل أو بآخر، وبذلك تكون المواجهة مع الإرهاب والجريمة في عمومها مواجهة دائمة في مختلف الظروف والأحوال.

الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب

* هل يعتقد سموكم أن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب نجحت في التصدي لهذه الظاهرة؟ وهل مكافحة الإرهاب بحاجة إلى جهد جماعي؟ أو أن لكل دولة إجراءاتها الخاصة؟

— الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب انجاز متميز يحسب لصالح الدول العربية على وجه العموم ولمجلس وزراء الداخلية العرب على وجه الخصوص، وهو جهد أمني غير مسبوق عززه في حالة استثنائية جادة اجتماع مشترك بين مجلس وزراء الداخلية العرب ومجلسي وزراء العدل والإعلام العربيين، وللأسف أن النداء العربي المبكر المحذر من مخاطر الإرهاب من خلال هذه الاتفاقية لم يلق في حينه الاهتمام الدولي المطلوب، ولقد هيأت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب وما تشكله من اطار أمني عربي موحد لقيام جهود عالمية متكاملة في مواجهة هذه الظاهرة الخيرة في ابعادها وتأثيراتها السلبية على الجميع، وبالنسبة لمدى نجاح الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، فنحن نعلم أن هذه الاتفاقية تمثل الاطار التنظيمي الذي ينظم من خلاله عقد الجهود الأمنية العربية في مكافحة الإرهاب والجريمة في عمومها من منطلق أنه يتعين اعتبار أمن الوطن العربي كلا لا يتجزأ.

وبالنسبة لسؤالك المتعلق بما إذا كانت مكافحة الإرهاب بحاجة إلى جهد جماعي أم أن لكل دولة إجراءاتها الخاصة، فإنني أود التنويه بأن سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز — حفظه الله — قد كان أول من دعا إلى ايجاد مركز دولي لمكافحة الإرهاب، ويرتكز هذا المقترح على حقيقة باتت واضحة للعالم أجمع بأنه لا يمكن محاربة الجرائم التي تتم عبر الحدود بشكل فعال بجهود منفردة لأي دولة مهما كانت تملك من قدرات، وفي جميع الأحوال فإن نجاح أي دولة في تحقيق أي انجاز أمني هو إضافة جديدة لصالح المجتمع الدولي وتجربة يمكن أن يفاد منها لخير المجتمع الإنساني كما حصل ولله الحمد في التجربة السعودية الأمنية في مواجهة الأعمال الإرهابية.

حقوق الانسان

* سجل المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون ظل محل انتقاد منظمات حقوق الإنسان في بعض الجوانب، ما رد سموكم على ما يثار من وجود تعذيب واختفاء بالإضافة إلى الانتقادات الموجهة لأوضاع العمالة الوافدة والاتجار بالبشر؟

— موضوع حقوق الإنسان كثر حوله الجدل والخلط وتباينت حياله الرؤى والأهواء، وقد وظف هذا الموضوع من قبل جهات عديدة لتحقيق أهداف ذاتية لا تمت للحقيقة بصلة، والشريحة الإسلامية السمحة كفلت حقوق الإنسان منذ أربعة عشر قرناً، فالعدالة والمساواة واحترام كرامة الإنسان يمليها علينا ديننا الحنيف، ومن هذا المنطلق جاء النظام الاساسي للحكم في المملكة العربية السعودية ليؤكد صراحة على التزام الدولة بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها في جميع المجالات انطلاقا من أحكام الشريعة الإسلامية، وقيمنا الأخلاقية تكشف بجلاء عناية خادم الحرمين الشريفين — حفظه الله — بإرساء دعائم حماية هذه الحقوق على المستوى الداخلي، ودعمه كافة الجهود الاقليمية والدولية التي تحقق هذا الهدف، مع مراعاة خصوصية المجتمعات واحترام تقاليدها، دون المتاجرة بشعارات جوفاء أو التأثر بحملات دعائية لها أهدافها الخفية والمعلنة، ومن تلك الجهود على سبيل المثال إقرار المملكة مؤخراً نظاماً لمكافحة الاتجار بالأشخاص يستوفي المعايير الدولية لمنع الاتجار بالبشر والمعاقبة عليه، ويأتي انتخاب المملكة بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لدورتين متتاليتين ليمثل تقديراً دولياً لمكانة وسجل المملكة في هذا المجال ورداً على كل المغالطات والافتراءات الموجهة ضدها، ومع ذلك اعتقد أنه مهما بذلت المملكة وشقيقاتها دول مجلس التعاون من جهود مقدرة في هذا المجال، فسيظل هناك من يريد استغلال أي ممارسة فردية مرفوضة تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان قد تقع من بعض الأشخاص لإلصاقها بالإسلام كدين أو بواقع مجتمعات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وهذا أمر لا يمكن قبوله.

ترويج المخدرات

* يسعى البعض إلى العبث في دول الخليج من ترويج المخدرات لتدمير شباب المنطقة.. في رأي سموكم كيف يمكن التصدي لهذه الظاهرة؟

— المخدرات باتت تشكل حرب إبادة لملايين البشر وعامل خسارة بشرية واقتصادية واجتماعية كبرى نتيجة ما تسببه من أضرار مدمرة على المتعاطي والمجتمع بأسره، والتحديات التي تواجهها دول الخليج اليوم في التصدي لهذه الآفة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، إذ أن الغالبية العظمى من مواطني دول مجلس التعاون هم من الشباب، كما أن المخدرات لم تعد مجرد عمليات ترويج وتعاط فردي بل بات يقف وراء ذلك دول ومنظمات وعصابات توحدت في فعل هذه الجريمة واختلفت في الأهداف المرجوة من ذلك، وتزداد خطورة المخدرات إذا اخذنا في الاعتبار أن الشباب في دولنا الذين يشكلون عماد حاضر الأمة واساس مستقبلها هم المستهدف الأول من قبل مروجي المخدرات والقائمين على هذه الجريمة التي اجتمعت فيها صنوف الفعل الاجرامي بل أنها باتت تشكل الداعم المادي لجرائم الإرهاب وغيرها من الجرائم الخطيرة بفعل ما تحققه من عوائد مالية كبيرة على حساب عقول وأرواح ومصالح شباب الأمة ومستقبلهم الذي هو في واقع الأمر مستقبل الأمة بأكملها، وهو ما يجعل التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة مسؤولية يجب أن يشترك فيها الجميع دون استثناء وأن يتعاون أفراد المجتمع وكافة هيئاته الحكومية والأهلية في مواجهة جريمة المخدرات المدمرة التي سوف يلحق ضررها جميع أفراد الأمة ومكوناتها، ومقدراتها ولذا يجب أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم كلا حسب موقعه واقتداره، فالمواجهة لهذه الآفة واجب ديني ووطني وإنساني لا يعفي أي فرد أو جهة من المشاركة فيه باعتباره مسؤولية وطنية عليا يثاب فاعلها ويأثم المقصر فيها، كما ينبغي أن يكون هناك تعاون دولي لتجفيف مصادر هذه الآفة الخطيرة وكشف مروجيها والتصدي بحزم لمن يشاركون في هذه الجريمة دولاً كانوا أم أفراداً.

التعاون الخليجي

* ما تقييم سموكم لمستوى التعاون بين وزارات الداخلية بدول التعاون الخليجي مقارنة بالتحديات الماثلة في هذه المرحلة؟

— لا استطيع بمفردي تقويم مستوى التعاون بين وزارات الداخلية بدول التعاون لدول الخليج العربية لأن ذلك من مسؤوليات وزراء الداخلية جميعا في إطار آليات اجتماعاتهم الدورية والتشاورية وما أستطيع إجابتك عليه هو انطباعاتي الشخصية عن مسيرة العمل المشترك بين وزارات الداخلية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي في اعتقادي أنها تحقق نجاحا ملموسا في ظل مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وبمستوى مرض نطمح لأن يقود إلى المزيد من تفعيل هذا التعاون المشترك بين دول المجلس في ظل حرص ومتابعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود — حفظه الله — واخوانه قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على تحقيق تكامل شامل بين دول المجلس في كافة المجالات ومن ذلك ما يتعلق بالتعاون بين وزارات الداخلية وأجهزة الأمن في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بإذن الله تعالى.

جرائم غسل الأموال

* هل هناك تنسيق فيما يتعلق بجرائم غسل الأموال؟ وهل المنطقة تعاني بالفعل من هذه الظاهرة أم أنها عابرة؟

— التعاون المشترك قائم ولله الحمد والتنسيق في كشف هذه الجريمة وغيرها مستمر على أكثر من صعيد داخل دول المجلس وخارجها وجريمة غسل الأموال جريمة عالمية عانت منها العديد من الدول وتكبدت بسببها خسائر كبيرة وإن كان حجمها في المنطقة محدودا مقارنة بما هو عليه الحال في دول أخرى إلا أن عملية التنسيق والمتابعة لهذه الظاهرة من قبل الأجهزة المعنية مستمرة وفاعلة لحماية اقتصاداتنا والحد من تجذر هذه الظاهرة في تعاملات المؤسسات المالية وقطاع البنوك في دول المنطقة وما تقود إليه من مخاطر آنية ومستقبلية لا سمح الله.

خبراتنا للاشقاء

* دائماً ما يطلق على سموكم مهندس ومصمم منظمة الأمن الحديثة في المملكة، كيف يمكن نقل ما يتمتع به سموكم من خبرة إلى الأشقاء في دول مجلس التعاون؟

— خبراتنا وامكاناتنا متاحة للأخوة الأشقاء في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ولعموم الأخوة العرب ولمن يريد الاستفادة من هذه التجارب، وتبادل الخبرات فيما بيننا قائم وله قنواته المعنية، وبالنسبة لهذا الوصف الذي تفضلت بوصفي به فإنه يتعين الإيضاح بأنه لم يكن ليتحقق النجاح والذي يشهده الجميع على المستوى الأمني لولا التوفيق من الله عز وجل ثم الدعم المتواصل وغير المحدود الذي تلقاه الأجهزة الأمنية في المملكة من قبل سيدي خادم الحرمين الشريفين — أيده الله — وسمو ولي عهده الأمين وإنه لشرف عظيم لي ولكل من ينتسب إلى جهاز الأمن في المملكة العربية السعودية أن نحظى بهذا الدعم الذي كان له أكبر الأثر في تحمل الجميع لمسؤولياتهم بعزم لا يخالجه الوهن، وبصبر لا كلل معه لتأدية هذه الرسالة العظيمة على أكمل وجه وهي رسالة فريدة إن جاز التعبير، فكما تعلم ويعلم الجميع على سبيل المثال أن بعض الدول المتقدمة تعجز عن توفير الأمن لجمهور مباراة كرة القدم في أحد الملاعب وفي حين أن رجال الأمن في المملكة تمكنوا ماضيا وحاضرا — وسيتمكنون مستقبلا إن شاء الله — من توفير الأمن لما يزيد على ثلاثة ملايين حاج من مختلف الجنسيات واللغات والثقافات والتوجهات وبفئات عمرية مختلفة وفي زمن ومكان محدودين وهي مهمة تضاف إلى مهامهم الأخرى بما في ذلك مواجهة هجمات إرهابية شرسة لا تعرف حرمة دين أو بلد أو نفس أو مال، ومع هذا كله حقق رجال الأمن مهماتهم بدرجة عالية من الجودة والأداء مما يجعل كل فرد منهم شريكا فعليا فيما تحقق من إنجاز أمني فريد.

لا نواجه ضغوطا

* هل هناك ضغوط خارجية على دول التعاون في قضايا الكفالة والإقامة والجنسية وإذن السفر؟ وهل نتوقع اجراءً خليجياً موحداً تجاه هذه القضايا؟

— نحن لا نواجه ضغوطا خارجية كما أشرت وما يتم إقراره من أنظمة نابع مما تمليه علينا عقيدتنا وقيمنا ولا نتأثر بما يثار هنا وهناك لأسباب وأهداف لم تعد مجهولة لدى الجميع.. ولكن في المقابل يتعين علينا بذل المزيد لإرشاد وتأهيل الباحثين عن العمل من أبناء دولنا لنتمكن من الحد من استقدام العمالة الأجنبية التي تقدر بالملايين والذين لا يؤدي معظمهم وظائف أو أعمالا تحتاج لخبرات عالية وبالإمكان أن يؤديها المدركون لقيمة العمل وشرف المهنة من أبناء الوطن.

ونحن نعمل على استيعاب هذه الطلبات في القطاعين الحكومي والخاص ونتطلع إلى أن يتجاوب القطاع الخاص مع هذه التوجهات بشكل أكبر.

شعار الديمقراطية

* البعض يقول إن شعار الديمقراطية الذي يرفعه الغرب الهدف منه تحقيق اختراقات في دول المنطقة وإحداث انشقاق بين أفراد المجتمع؟ هل يعتقد سموكم أن المنطقة مستهدفة؟

— الأمم والإنجازات لا تبنى بالشعارات وإنما بالإيمان والعمل الجاد.. وموضوع الديمقراطية مصطلح كل يفسره على ما يريد.. ونحن أمة لها عقيدتها وقيمتها التي تحفظ للإنسان كرامته وحريته وحياته ونتطلع إلى حوار واع ومنصف مع الآخرين، الذين قد يخالفوننا الرأي والرؤية، والاختلاف من سنن الله في الكون، وقد جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز — حفظه الله — للحوار بين أتباع الأديان والثقافات لسد الفجوة القائمة ولإيجاد تواصل إنساني لصالح السلام والوئام بين الشعوب، بعيدا عن مخاطر الصراعات وتصادم الثقافات الذي لا يقود إلا إلى المزيد من الفرقة في غير صالح المجتمع الإنساني.

الازمة المالية

* تعرض العالم إلى أزمة مالية، ما وقع هذه الأزمة على المملكة؟ وهل أثرت على المشاريع التنموية؟

— المملكة ولله الحمد كانت أقل تأثرا بهذه الأزمة، والمملكة تعيش وضعا اقتصاديا مستقرا مما جعلها تستقطب العديد من الاستثمارات الأجنبية الكبيرة التي وجدت فيها المكان الآمن والمربح في نفس الوقت، وستشهد — بإذن الله تعالى — نمواً مطردا في كافة المجالات بفضل الله ثم بفضل السياسة الحكيمة التي ينتهجها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين — حفظهما الله.

الوضع بالعراق

* عدم استقرار العراق ألا يشكل تهديدا للمملكة ولدول المجلس عموما؟

— عدم استقرار العراق ضرره سوف يطول الجميع بدءاً بدول الجوار والمنطقة في عمومها، ولا شك أن على دول الجوار إدراك أهمية استقرار الأوضاع في العراق والعمل بجدية ومصداقية أكثر، وألا تكتفي بالتصريحات المثالية، ويتعين عليها أن تنأى بنفسها عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق لأن ذلك لا يقود إلى تأزم الشأن العراقي فحسب وإنما سوف تنعكس آثار هذه السياسة السلبية على المنطقة عموما وعلى الأمن والسلم الدوليين بحكم حساسية وأهمية هذه المنطقة.

* العناصر الإرهابية البعض يرى أنها يمكنها دخول المملكة عبر الحدود السعودية — العراقية، أو تهريب أسلحة ومتفجرات لزعزعة الأمن والاستقرار بالمملكة، ماذا عن حدودكم مع العراق؟ وهل هي مؤمنة بشكل جيد؟ وهل سبق أن قبضتم على عناصر إرهابية أو تهريب أسلحة؟

— حدود المملكة مع العراق محكمة من الجانب السعودي وحرس الحدود السعودي يملك امكانات وكفاءات متطورة لمراقبة هذه الحدود، والأخوة في العراق يعلمون جيدا الجهد الذي يقوم به الجانب السعودي تجاه أمن الحدود بين البلدين وتسليم من يتم ضبطهم من قبل حرس الحدود السعودي للجانب العراقي في حالات عديدة.

العلاقات مع ايران

* علاقات المملكة مع إيران تسودها حالة من الشد، كيف يرى سموكم مستقبل هذه العلاقات وما موقف المملكة من ملفها النووي؟

— إيران دولة جوار، وعلاقة المملكة مع إيران وغيرها من الدول مبنية على سياسة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الغير، وهذا نهج سعودي أصيل في كل تعاملات المملكة، والمملكة حريصة كل الحرص على أن يكون الوضوح والشفافية والاحترام المتبادل جوهر التعامل مع كل الأطراف، ونعلق أهمية قصوى على أن يكون التعاون الإيراني مع الدول العربية من خلال قنواته الطبيعية والمشروعة ووفق المعايير والمواثيق الدولية المعلومة لدى الجميع، أما بالنسبة لموقف المملكة تجاه ملف إيران النووي فسياسة المملكة مع شقيقاتها دول مجلس التعاون واضحة ومعلنة بتأييد الوصول إلى حل سلمي لهذا الموضوع، وبضرورة خلو المنطقة جميعها من أسلحة الدمار الشامل، ووجوب الالتزام الكامل والدقيق بالقرارات الدولية والضوابط التي وضعتها الاتفاقيات الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، ونأمل أن يتحقق ذلك بإذن الله تعالى وألا يكون هذا الملف سببا لتعريض المنطقة لمخاطر هي في غنى عنها ولها قضاياها المهمة التي ينبغي أن تكون محل الاهتمام العربي والإقليمي والدولي وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

السعودية والفصائل الفلسطينية

* سبق للمملكة أن رعت اتفاقا بين الفصائل الفلسطينية والآن الخلافات تتسع دائرتها مجددا بين هذه الفصائل، فهل هناك توجه لرعاية اتفاق آخر فلسطيني — فلسطيني؟

— سبق وأن رعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز — حفظه الله — اتفاقا بين الفصائل الفلسطينية بمكة المكرمة وباركه العرب والمسلمون ودول العالم وتوقعنا أن يكون هذا العهد العظيم بجوار البيت الحرام منهياً لاختلاف الأشقاء الفلسطينيين ولكن رياح الأحداث جاءت بما لا يخدم الحق والحقيقة والصالح الفلسطيني.. ومن المهم التنفيذ والتقيد بهذا الاتفاق وما نؤمله من الأخوة الفلسطينيين هو تغليب العقل على العاطفة والمصالح العليا على المصالح والمكاسب الذاتية، فالجميع ينتظر منهم أن يكونوا جميعا على قدر مسؤولياتهم وواجباتهم وأن يكونوا صفا واحدا تجاه عدوهم الذي يعد الكاسب الوحيد من تفرقهم وتناحرهم.

معتقلو غوانتانامو

* للمملكة عدد من المعتقلين في غوانتنامو.. فهل من جديد فيما يتعلق بعودتهم للمملكة؟

— أوشك ملف معتقلي غوانتنامو على أن ينتهي قريباً بإذن الله تعالى، وقد عملت المملكة على استعادة أبنائها المعتقلين في غوانتانامو من خلال قنوات وجهود عديدة أثمرت ولله الحمد  عودة غالبيتهم في إطار اهتمامها بمواطنيها، الذين كما عليهم واجبات تجاه وطنهم فلهم أيضا حق الرعاية والاهتمام حتى وإن وقع البعض منهم فيما يخالف بشكل أو بآخر، كما يخضع من عادوا إلى المملكة من هذا المعتقل لبرامج تأهيل وتوجيه ورعاية ليتمكنوا من العودة إلى وضعهم الطبيعي وممارسة حياتهم في وسطهم الاجتماعي كما هو مرجو منهم.

مسيرة السلام

* مسيرة السلام ينظر إليها العديد من المراقبين على أنها قد حكم عليها بالإعدام بوصول حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل؟ كيف ينظر سموكم إلى مستقبل عملية السلام بين العرب وإسرائيل؟

— السلام تحية المسلم وهو ما جاءت به رسالة الإسلام لتحقيقه في الأرض، ومن هذا الأساس دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للسلام بإطلاق مبادرته التي أيدها العرب، وأصبحت بذلك مبادرة عربية وعمدت إسرائيل إلى عدم التجاوب مع هذه المبادرة التي تعد الفرصة المتاحة لتحقيق سلام عادل يرفع به الظلم عن الشعب الفلسطيني ويتحقق بموجبه مصيره واستعادة أرضه، وأمام تمادي الجانب الإسرائيلي في المماطلة أوضح سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الكويت وأيده اخوانه العرب بأن هذه المبادرة لن تظل مطروحة فوق الطاولة إلى ما لا نهاية، وأعتقد أن الرسالة واضحة وأن على إسرائيل أن تدرك ذلك جيداً.

المشروعات الخليجية المشتركة

* سكك حديد الخليج والربط الكهربائي وحقوق المواطنة الكاملة، ما المطلوب لتصبح هذه المشروعات واقعا ملموسا يعيشه المواطن الخليجي؟

— ما يربط بين أبناء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من روابط العقيدة والدم والتاريخ والجوار أقوى من هذه الروابط التقنية وأكثر منها دواماً، وما هذه المشروعات إلا لخدمة تلك الروابط الأصيلة ونحن متفائلون بنجاح هذه المشروعات وبلوغ أهدافها في ظل ما يمثله أبناء الخليج من جسد واحد وبناء راسخ يشد بعضه بعضا، ولقد برهن مجلس التعاون الخليجي أنه إطار يتسع وينظم الأنشطة الخليجية في سبيل البناء المتكامل، ومسيرة مجلس التعاون الخليجي تسير من حسن لأحسن بفضل الله تعالى ثم بحرص ورعاية أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس وتكاتف وتعاون أبناء هذه المنطقة المهمة من العالم.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x