حوارات

وزير خارجية طاجيكستان: قطر تحتل الريادة العربية في سوق الاستثمارات الطاجيكية

أكد سعادة السيد سراج الدين أصلوف وزير خارجية جمهورية طاجيكستان أن دولة قطر تحتل الريادة في دخول سوق الاستثمارات الطاجيكية على مستوى الدول العربية، منوها بأنّ الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين خلال السنوات الماضية مثّلتْ أرضية صلبة لانطلاق التعاون القطري — الطاجيكي.

وقال سعادته في حوار مع الشرق ان علاقات البلدين تتجه نحو تطور مطرد بفضل الحرص المشترك من القيادتين لتوطيدها، موضحا ان دولة قطر أول دولة عربية باشرت في تنفيذ مشاريع استثمارية في طاجيكستان بلغت 300 مليون دولار تتمثل في تطوير مشروع “ديار دوشنبه” العقاري، كما تمول مشروع تشييد أكبر مسجد على مستوى آسيا الوسطى، مؤكدا ترحيب بلاده برؤوس الاموال القطرية باعتبار طاجيكستان وجهة واعدة للمستثمرين.

واضاف ان دولة قطر وجمهورية طاجيكستان بإمكانهما تحقيق المنفعة المتبادلة في مشاريع استراتيجية، مثل انشاء المحطات الكهرمائية وخطوط نقل الطاقة واقامة مؤسسات مشتركة في التعدين واستخراج المعادن، وفي مجالات الزراعة وتصنيع المنتجات الزراعية وصناعات الصوف والجلد والقطن وإنتاج عسل النحل واستغلال الموارد الطبيعية التي تجعل من طاجيكستان مقصدا واعدا للاستثمارات.. مؤكدا تطلع بلاده لتنمية علاقاتها المتعددة المناحي مع دولة قطر بما يعود بالنفع على الجانبين.

وقال ان الجانب القطري أعرب عن حرصه على التعاون مع طاجيكستان في مجالات الصيرفة والتأمين والصحة والمشاركة الفاعلة في تنفيذ المشاريع الحيوية في البلاد. لافتا الى اعتزام مجموعة إزدان إنشاء مصرف قائم على أسس المعاملات المصرفية الإسلامية وبناء مستشفى عصري وغير ذلك من المشروعات.

واضاف ان طاجيكستان تسعى الى بناء العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف مع جميع الدول الإسلامية حرصاً منها على تعزيز التعاون معها بناء على القواسم المشتركة التاريخية والثقافية والروحية والدينية. مؤكدا ان شعوب آسيا الوسطى وخاصة الشعب الطاجيكي، بما لديها من سجل حضاري حافل عندما رضيت بالإسلام ديناً، كرست كافة جهودها وقدراتها الروحية والذهنية لخدمة الحضارة الإسلامية الزاخرة، وان الأمل يحدونا اليوم إلى استعادة زخم هذه الحضارة وتلك الأواصر الأخوية القوية.

***

◄ بدايةً، ما هي نظرتكم للعلاقات القطرية — الطاجيكية في المرحلة الحالية؟ وكيف يُمكن تنميتها وتعزيزها مستقبلاً؟

► إننا نُثمّن علاقاتنا مع دولة قطر التي نعتبرها من أصدقائنا، وقد أقمنا العلاقات الدبلوماسية معها منذ أوائل سنوات استقلالنا، وخلال هذه السنوات تطوّرت علاقاتنا بشكلٍ ملحوظٍ وعلى نحوٍ جيّد على جميع الأصعدة..

ومما يبعث على الارتياح أن العلاقات بين البلدين الصديقين قد وصلت إلى مستويات عالية بعد الزيارات الرسمية التي قام بها فخامة الرئيس إمام علي رحمان رئيس جمهورية طاجيكستان إلى دولة قطر، والزيارة الرسمية التي قام بها سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى جمهورية طاجيكستان عام 2007م، وأن هذه العلاقات تتجه نحو تطور مطرد بفضل الحرص المشترك من القيادتين لتوطيدها. ودولة قطر هي أول دولة عربية باشرت تنفيذ مشاريع استثمارية في طاجيكستان تتمثل في تطوير مشروع “ديار دوشنبه” العقاري ومشروع تشييد أكبر مسجد على مستوى آسيا الوسطى، حيث إن حجم الاستثمارات القطرية يقارب 300 مليون دولار أمريكي، علماً بأن المشروعين المشار إليهما هما من ثمار الاتصالات والزيارات المتبادلة على مستوى القيادتين.

◄ تبادل الزيارات والاتصالات

◄ هل نتوقع تعزيز هذه العلاقات عبر زيارات قادمة أو مشاريع مشتركة قادمة؟

► لا شك أن العلاقات المتبادلة المنفعة بين الجانبين تشهد نمواً حثيثاً مستمدة قوتها من تبادل الزيارات والاتصالات على مختلف المستويات، ومما يدل على ذلك الزيارة التي قام بها مؤخراً سعادة الشيخ الدكتور خالد بن ثاني آل ثاني رئيس مجلس إدارة مجموعة “إزدان” القابضة. ومن أهم النتائج التي تمخضت عنها هذه الزيارة أن الجانب القطري أعرب عن حرصه على التعاون مع طاجيكستان في مجالات الصيرفة والتأمين والصحة والمشاركة الفاعلة في تنفيذ المشاريع الحيوية في البلاد. وحسب ما تفضل به رئيس مجلس إدارة مجموعة “إزدان” القابضة فإن الجانب القطري يعتزم حالياً إنشاء مصرف قائم على أسس المعاملات المصرفية الإسلامية وبناء مستشفى عصري وغير ذلك من الأعمال.

◄ هناك لجنة مشتركة بين البلدين.. كيف يسير عمل هذه اللجنة؟ وهل هناك اجتماع قريب لها؟

► نعم هناك لجنة مشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والفني والعلمي بين حكومتي البلدين وقد عقدت أول اجتماعاتها بمدينة دوشنبه في أكتوبر عام 2012م، وأرى أن هذه اللجنة من المفترض أن تكون آلية نافذة لتفعيل العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.. ونظراً لأهمية العمل المشترك واتخاذ خطوات جادة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في إطار اللجنة المشتركة تجرى الدوائر المختصة في البلدين مشاوراتها بشأن عقد الدورة القادمة لاجتماعاتها.

◄ وجهة واعدة للمستثمرين

◄ تشهد طاجيكستان نهضة ولديها امكانات وثروات مختلفة.. كيف يمكن لقطر المساهمة في المشاريع التنموية في بلادكم؟

► إن طاجيكستان بلد حباه الله بثروات طبيعية ضخمة من شأنها أن تحول البلاد إلى وجهة واعدة للمستثمرين. ومنذ أن نالت استقلالها تمكنت طاجيكستان من إعادة إعمار اقتصادها وهيأت الأرضية الملائمة للتنمية الاقتصادية المستقبلية. وبجانب استغلال الفرص والقدرات الداخلية تعمل حكومة جمهورية طاجيكستان على اتخاذ خطوات لازمة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى مختلف قطاعات اقتصاد البلاد وتطبيق عدد من مشاريع البنية التحتية والاجتماعية والإنسانية، علماً بأن مناخاً استثمارياً واعداً يتم إيجاده في البلاد لجلب الاستثمارات الأجنبية ودعم الأنظمة التجارية وتطوير النظام المالي والمصرفي.

ومن دواعي الارتياح أن دولة قطر تحتل الريادة في دخول سوق الاستثمارات الطاجيكية على مستوى الدول العربية، حيث إن مشروعي مجمع “ديار دوشنبه” العقاري وأكبر جامع في آسيا الوسطى يمثلان أبرز نموذج للتعاون بين البلدين، الأمر الذي يفتح المجال أمام دولة قطر لمواصلة تعاونها في هذا المجال فيما بعد.

وإن الفرص والقدرات الكامنة في البلاد، مثل توافر وإتاحة الثروات المعدنية والمواد الخام والقوى العاملة ذات الكفاءة المهنية العالية وموارد الطاقة المائية المتجددة وغيرها من الفرص الموجودة، بإمكانها أن تكون قاعدة عريضة لتنمية علاقات التعاون بين البلدين.

وأعظم ثروة تتمتع بها بلادنا هي الموارد المائية التي تصل قدراتها الإنتاجية للطاقة الكهربائية إلى نحو 527 مليار كيلووات ساعة في السنة، بيد أن نسبة استغلال هذه الموارد لا تتجاوز 5 %. وخلال سنوات الاستقلال شهدت طاجيكستان إنشاء المحطة الكهرمائية “سنغتوده 1” بقدرة إنتاجية 400 ميجاوات ومحطة “سنغتوده 2” باستثمارات شركائنا الأجانب.

وإن دولة قطر وجمهورية طاجيكستان بإمكانهما إقامة التعاون المتبادل المنفعة في مجالات الزراعة وتصنيع المنتجات الزراعية وصناعات الصوف والجلد والقطن وإنتاج عسل النحل.

كما أن طاجيكستان لديها ثروات طبيعية كامنة تتيح فرصة التعاون أمام الشركاء الأجانب، حيث إن أكثر من 400 حقل ومنجم للمعادن الفلزية وغير الفلزية تم اكتشافها ودراستها وهي مهيأة لاستخراج ثرواتها التي يأتي في مقدمتها الذهب والفضة والحديد والتنجستين والأنتيمون والرخام والصخور والأحجار الكريمة وموارد النفط والغاز.

وفي الواقع هناك موارد طبيعية وثروات بكر تجعل البلاد مقصداً واعداً للاستثمارات.

والسياحة أيضاً تعتبر من المجالات الوعدة في اقتصاد البلاد، حيث إن الحكومة الطاجيكية انطلاقاً من الفرص القائمة في تنمية السياحة البيئية والعلاجية والجبلية والصيد، تولي اهتماماً بالغاً بتطوير البنية التحتية الخاصة بالسياحة والخدمات السياحية. وإن الجانب القطري بإمكانه أن يوجه استثماراته إلى هذا المجال أيضاً.

◄ تعاون واعد

◄ كما تعلمون فإن قطر لديها امكانات كبيرة في مجال الغاز.. هل هناك تعاون في هذا المجال؟

► من الطبيعي أن دولة قطر لها خبرة رائدة في مجال انتاج الغاز وأن بلادكم تحتل المركز الثالث عالمياً باحتياطيات الغاز. كما نعلم أن قطر لديها خبرة عظيمة في استخراج الغاز من مناطق ذات ظروف جيولوجية معقدة، وإن هذه الخبرة القطرية تجعلنا نتطلع إلى تعاون واعد في مجال استخراج الغاز داخل أراضي طاجيكستان.

وهناك شركات عالمية مرموقة مثل شركة “غازبروم” الروسية، وشركة “تيتيس بتروليوم ليمتد” الكندية، والشركة الوطنية الصينية للنفط والغاز وشركة “توتال” الفرنسية، تعمل اليوم في طاجيكستان في مجال التنقيب واستخراج الغاز..

وتحرص طاجيكستان على إقامة التعاون مع دولة قطر في هذا المجال، ففي حالة استخراج موارد الغاز في طاجيكستان يتسنى لنا تصديرها إلى الدول المجاورة فضلاً عن تحقيق الاكتفاء الذاتي لاحتياجات البلاد من هذا الوقود. وإن انطلاق التعاون مع جمهورية طاجيكستان في هذا المجال يمكن أن يفتح آفاق التعاون المثمر أمام بلادكم مع دول أخرى في منطقة آسيا الوسطى.

◄ طاجيكستان دولة فاعلة في منظمة التعاون الاسلامي كما هو الحال مع قطر.. كيف يمكن للبلدين ان يلعبا دورا مؤثرا في تعزيز التعاون والامن على مستوى العالم الاسلامي؟

► لقد تم اعتماد عضوية طاجيكستان لدى منظمة التعاون الإسلامي عام 1992م بعد نيل استقلالها، ومنذ انضمامها لهذه المنظمة تشارك طاجيكستان بفاعلية في كافة محافلها ومؤتمراتها بما في ذلك اجتماعات القمة واجتماعات مجلس وزراء الخارجية وغير ذلك من الاجتماعات المهمة.

وبدءاً من أول أيام انضمامها للمنظمة تسعى طاجيكستان نحو إيجاد العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف المتميزة مع جميع الدول الإسلامية، حرصاً منها على تعزيز التعاون معها في إطار المنظمة بناء على القواسم المشتركة التاريخية والثقافية والروحية والدينية.

وإننا نعتبر حضورنا في المنظمة كاتجاه مهم لسياسة بلادنا الخارجية، فعليه يمكن لطاجيكستان أن تتعاون مع دولة قطر بشكل مثمر في إطار منظمة التعاون الإسلامي في مختلف المجالات، للدفاع عن المصالح المشتركة ولتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في كلا البلدين.

ونحن على ثقة أن الوقت قد حان الآن أن تكون لبلداننا مبادرات وخطوات في إطار منظمة التعاون الإسلامي لوضع آليات وبرامج ترمي نحو تعزيز علاقات التعاون وخاصة العلاقات الاقتصادية بين القطاعات الحكومية والخاصة داخل نطاق المنظمة.

◄ الصلات والروابط

◄ منطقة آسيا الوسطى بما فيها بالطبع بلادكم لعبت ادوارا مميزة في تاريخ الحضارة الاسلامية.. لكن نلاحظ في هذه المرحلة تباعد العلاقات فيما بين هذه المنطقة والعالم العربي.. كيف يمكن ان نعيد هذه العلاقات الى مستوى يليق بما كانت عليه في السابق؟

► الصلات والروابط بين العالم العربي وبلدان آسيا الوسطى والتي يشكل قوامها الدين والعقيدة والثقافة والحضارة المشتركة هي ضاربة في عمق التاريخ، تعود إلى ما يزيد على 1300 سنة.

وإن شعوب آسيا الوسطى وخاصة الشعب الطاجيكي بما لديها من سجل حضاري حافل عندما رضيت بالإسلام ديناً كرست كافة جهودها وقدراتها الروحية والذهنية لخدمة الحضارة الإسلامية الزاخرة التي لطالما سخرت العالم وخدمت البشرية طيلة قرون مديدة..

وكفى بنا فخراً واعتزازاً أن بلادنا أنجبت عظماء وعباقرة ليست لهم إسهامات في إثراء الحضارة الإسلامية فحسب، بل إن بصماتهم في العلم والثقافة ما زالت محل عناية من قبل العالم أجمع، كأمثال الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان الذي له جذور طاجيكية، ومحمد بن إسماعيل البخاري وأبي عيسى الترمذي، وأبي الليث السمرقندي وابن سينا والفارابي والبيروني وغيرهم كثير.

وما من مجال لفنون الحضارة الإسلامية وعلومها كالفقه والتفسير والحديث واللغة والنحو والبلاغة والفلسفة والمنطق والطب والنجوم والهندسة والكيمياء، إلا وفيه جهابذة وأعمدة من أبناء خراسان وماوراء النهر — الوطن التاريخي لأجدادنا، الأمر الذي يؤكد تحقق بشارة نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم) حين قال مشيراً إلى سلمان الفارسي (رضي الله عنه): “لو كان العلم في الثريا لناله رجال من قوم فارس”. وللاستزادة حول هذا الموضوع أحيل القارئ الكريم إلى المجلد الرابع من كتاب فخامة الرئيس إمام علي رحمان المسمى بـ “الطاجيك في مرآة التاريخ” والمترجم إلى اللغة العربية، حيث أفاد فخامته وأجاد حول المسيرة التاريخية للروابط بين آسيا الوسطى والعالم العربي ومدى أهمية الدور الرائد الذي لعبه الشعب الطاجيكي في النهوض بالحضارة الإسلامية..

ولكن شعور الأسف يخالجنا دائماً أننا عشنا حقبة من الزمن في فجوة وانقطاع عن أشقائنا في البلدان العربية، بسبب الظروف السياسية التي فرضت علينا والتي ما زالت تبعاتها تلقي بظلالها حتى الآن. والأمل يحدونا اليوم إلى استعادة تلك الأواصر الأخوية القوية التي كانت تربط بين شعوبنا لتتخذ مجراها التاريخي من جديد.

ونحن إذ نستحضر الماضي المجيد لأجدادنا فعلينا أيضاً أن نستشرف المستقبل من خلال التعاون البناء والتضامن الواقعي لتحقيق أهدافنا المشتركة ولمواجهة التحديات المعاصرة.

وبالمناسبة أود أن أشيد بالدورة الأولى لمنتدى الاقتصاد والتعاون العربي مع دول آسيا الوسطى وآذربيجان التي انعقدت بالعاصمة السعودية الرياض في 13 مايو 2014م على مستوى وزراء الخارجية والمالية والاقتصاد، في إطار جامعة الدول العربية وكان لي شرف الحضور فيها. وانطلاقاً من النتائج والتوصيات التي توصلنا إليها خلال هذه الدورة أتطلع إلى دور المنتدى المشار إليه في إعادة الأواصر التاريخية وتعزيز جسور التواصل وتفعيل علاقات التعاون بين منطقتنا والعالم العربي.

كما أود أن أؤكد أن جمهورية طاجيكستان منذ فجر استقلالها تمضي قدماً نحو إحياء واستعادة علاقات التعاون وصلات التعايش وأواصر الود والإخاء بين شعبنا وشعوب العالم العربي، والتي تنهل من القيم والثوابت المشتركة، ولن تألو جهداً للارتقاء بها إلى مستويات غير مسبوقة حتى تخدم مصالح الطرفين.

◄ الصداقة والاحترام

◄ كيف هي علاقاتكم مع دول الجوار الآسيوية.. هل انتم راضون عنها؟

► تحرص طاجيكستان دائماً على تفعيل علاقاتها مع البلدان المجاورة والتي تصنفها ضمن أولويات سياستها الخارجية، وذلك استناداً إلى أسس الصداقة والاحترام والثقة المتبادلة والنُّصح والتعاون المثمر البناء. وترى قيادة بلادنا أن الأواصر التاريخية والثقافية العريقة وطول العهد بحسن الجوار والمصالح المتقاربة، تمثل قاعدة متينة يمكن التعويل عليها للعلاقات الطيبة الطويلة المدى والتعاون المثمر المتبادل المنفعة. ولا شك أن علاقاتنا مع دول الجوار على مدى السنوات الـ23 من الاستقلال مرت بمراحل مختلفة نظراً للوضع الداخلي وأولويات السياسة الخارجية.

والآن نحن نعيش مرحلة تكشف بكل وضوح عن ضرورة إدراك المصالح الإقليمية العامة ومدى حاجة الدول بعضها لبعض، الأمر الذي يدفع بالتدريج نحو إقامة علاقات تلبي متطلبات العصر. وفي هذا الصدد ترى طاجيكستان أنه يجب إنشاء منظمة إقليمية في آسيا الوسطى تعكس مصالح المنطقة بناءً على مبادئ التساوي في الحقوق ومراعاة المصالح القومية لكل دولة من الدول الأعضاء. ونفسر الهدف من ذلك بإقامة السوق الإقليمية الموحدة وإيجاد مناخ استثماري واعد وترشيد استغلال واستخدام الموارد والفرص المشتركة وتسوية المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعم المنطقة.

أما على صعيد العلاقات الثنائية فإن طاجيكستان تجري حواراً مستداماً بَنّاءً مع جيرانها، يفتح المجال أمام تفعيل التعاون المثمر المتبادل المنفعة في كافة المناحي تحت ظروف الاستقرار الدائم.

◄ علاقات إستراتيجية

وبما أن الحديث يدور حول روابطنا مع الدول المجاورة لنا فأحبّذ أن أتوقف قليلاً عند علاقتنا مع جارتنا العملاقة جمهورية الصين الشعبية، التي تربطنا معها علاقات إستراتيجية مبنية على حسن الجيرة والاحترام والثقة المتبادلة. ومع التوقيع على الإعلان المشترك لتدشين علاقات الشراكة الإستراتيجية، دخلت علاقاتنا مع الصين مرحلة جديدة وهي تتطور باطراد في كافة المجالات التي تهم الجانبين. والفترة المنصرمة من عام 2014م كانت حافلة بالمبادرات والاتصالات والزيارات المتبادلة على مختلف المستويات بين البلدين والتي توجت بالزيارة الرسمية للرئيس الصيني السيد شي جين بينغ إلى طاجيكستان خلال الفترة 11 — 14 سبتمبر من العام الجارى.. وقد تمخضت زيارة الرئيس الصيني إلى طاجيكستان عن أكثر من 20 اتفاقية ووثيقة تعاون، بما في ذلك برنامج التعاون خلال لسنوات 2015 — 2020م، علماً بأن حجم الاستثمارات الصينية المستقبلية بطاجيكستان وفقاً للاتفاقيات الأخيرة يقدر بـ6 مليارات دولار أمريكي خلال السنوات المقبلة.

وأبرز إنجازات وثمار علاقات التعاون بين طاجيكستان والصين تتمثل في تنفيذ المشاريع البنية التحية في طاجيكستان مثل إنشاء الطرق وحفر الأنفاق ومد خطوط الطاقة الكهربائية وإقامة أكبر محطة للطاقة الحرارية بالعاصمة دوشنبه والمشاريع العمرانية، بالإضافة إلى تدشين مشروع الخط الرابع لخط أنابيب الغاز من آسيا الوسطى إلى الصين عبر الأراضي الطاجيكية، علماً بأن حوالي 420 شركة صينية من القطاعين الحكومي والخاص تزاول أعمالها في مختلف مجالات الاقتصاد الطاجيكي.. وحجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين تخطى 2 مليار دولار أمريكي حالياً، ومن المتوقع أن يرتفع هذا المؤشر إلى 3 مليارات دولار أمريكي على مدى خمس سنوات قادمة.

كما أن طاجيكستان تولي بالغ العناية لعلاقاتها مع دول الجوار في إطار المنظمات الإقليمية، وفي مقدمتها منظمة شنغهاي للتعاون التي صارت اليوم تكتلاً اقليمياً قوياً وحيوياً تتصاعد مكانته عالمياً، وتضم المنظمة بجانب بلادنا كلاً من كازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان بالإضافة إلى الصين وروسيا. وكانت عام 2014م دورة رئاسة طاجيكستان لمنظمة شنغهاي للتعاون حيث استضافت العاصمة الطاجيكية مدينة دوشنبه اجتماعات القمة للمنظمة يومي 11 — 12 سبتمبر 2014م، بمشاركة زعماء جميع الدول الأعضاء بالإضافة إلى زعماء وممثلي الدول المراقبة. وقد خرجت اجتماعات القمة التي نظمتها طاجيكستان على أعلى مستوى وأحسن ترتيب بتوصيات ونتائج ترمي لتعزيز الشراكة الإقليمية وتفعيل الآليات المشتركة لمواجهة التحديات المعاصرة، وسوف يكون لها دور حيوي وبناء في مستقبل مسيرة المنظمة.

◄ الحل العسكري وحده لايجدي

◄ بعض الدول المجاورة لكم تشهد حالة عدم استقرار كما هو الحال مع افغانستان.. الا تخشون انتقال هذه الحال اليكم؟ وهل انتم في مأمن من ذلك؟

► مع الأخذ في الاعتبار وضع أفغانستان الراهن والتركيبة المعقدة للقوى والتيارات السياسية الموجودة فيها، تدرك قيادة طاجيكستان أن الصراعات الداخلية في هذا البلد المنكوب لا يمكن تسويتها إلا من خلال الخطوات والمبادرات الشاملة والمتكاملة.

وإن حضور قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب في أفغانستان أثبت مجدداً أن الحل العسكري وحده لايجدي في التغلب على مشاكل هذا البلد، بل يجب تطبيق مجموعة من الخطوات الإضافية في هذا المضمار، وقبل كل شيء إعمار اقتصاد البلاد. وفي هذا الصدد كان فخامة الرئيس إمام علي رحمان رئيس جمهورية طاجيكستان قد أعلن من على منصة الاجتماع الـ63 للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة أن أفغانستان لا تحتاج اليوم إلى التواجد العسكري للدول الأجنبية داخل أراضيها بقدر افتقارها للمساعدات الاقتصادية والفنية والإنسانية.

وخلال الفترة الراهنة فإن جلب أفغانستان لمختلف المشاريع الإقليمية في البنية التحتية والنقل والطاقة مثل إنشاء طرق المواصلات والسكك الحديدية ومد أنابيب الغاز وخطوط نقل الكهرباء، من شأنه أن يهيئ أرضية صلبة لإرساء السلام والاستقرار.

وإن استتباب الأمن والاستقرار في الدول المجاورة لأفغانستان له ارتباط مباشر بالوضع في هذا البلد، الأمر الذي يجعل البلدان المجاورة أكثر عرضة لتداعياته.

وفي الوقت الحاضر تباشر السلطات الأفغانية مهمة حفظ وتوفير الأمن في ربوع أفغانستان، ونرى أنها مؤهلة لحماية الأمن واستقرار البلاد بشكل عام بغض النظر عن بعض الشوائب التي تعتري عملها.

فعليه نؤكد للمجتمع الدولي وخاصة الدول الغربية أن لا يقوضا حجم ومستوى دعمهما لحكومة أفغانستان بعد انسحاب قوات التحالف الدولي منها.

وبجانب ذلك وبغض النظر عن أهمية العامل العسكري خلال الفترة الراهنة نعتقد أن عوامل المصالحة الوطنية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد سوف يكون لها دور محوري لحل مشاكل أفغانستان في المستقبل القريب. ونحن نعلم من خلال تجربتنا أنه يتعذر إرساء السلام وتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة دون التوصل إلى المصالحة الوطنية.

◄ مكافحة الإرهاب

◄  العالم يتحدث عن محاربة الارهاب.. كيف هي نظرة طاجيكستان لهذه الحرب؟ وما هي المعالجات الحقيقية للقضاء على ظاهرة الارهاب في العالم؟

► تضع جمهورية طاجيكستان قضية مكافحة الإرهاب ضمن أهم واجباتها للحفاظ على أمنها القومي وتسعى جاهدة نحو مزيد من التعاون مع الأسرة الدولية في هذا الاتجاه.

وخلال الآونة الأخيرة نلاحظ عملية تزاوج الإرهاب مع مختلف ظواهر الجرائم العابرة للحدود مثل تهريب المخدرات والأسلحة والاتجار بالبشر والاسترقاق والارتزاق والهجرة غير الشرعية.

وفي هذا الجانب هناك جريمة أخرى في غاية الخطورة وهي جريمة تهريب المخدرات، الأمر الذي لطالما كان مصدر تمويل أساسي للعمليات الإرهابية وفقاً للمعلومات المتعددة. وإن مكافحة هذه الظاهرة كمكافحة الإرهاب، تقتضي تضافر الجهود والمبادرات من قبل المجتمع الدولي، كما أنها تتطلب وضع رؤية موحدة وشاملة لإنجاحها.

والإرهاب ليس له دين ولا مذهب معين ولا نشأة عرقية وقومية ولا موطن جغرافي. وفي الواقع إن محاولات لصق الإرهاب بدين أو مذهب معين تصب لمصلحة الإرهابيين وينبغي استنكارها بشدة.

وفي الوقت نفسه يجب على العالم أن يتصدى لمحاولات تشويه صورة الإسلام من قبل دوائر سياسية ذات أجندات خاصة. وإنه من الضروري أن تقوم حكومات البلدان الإسلامية والشخصيات الدينية المرموقة بإعلاء أصواتها المستنكرة للإرهاب بكل وضوح لتصل إلى الجميع.

وعلى هذا الصعيد فإن المبادرة التي أطلقتها منظمة التعاون الإسلامي ضمن إعلان مكة المكرمة حول إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب ليست محل استحسان فحسب بل إنها جديرة بالدعم والمساندة.

ونعتقد أن منظمة التعاون الإسلامي في إطار تنفيذ هذا الهدف يمكنها أن تزود مسيرة تعاونها وتواصلها مع منظمة الأمم المتحدة بزخم وقوة جديدة في سبيل مكافحة الإرهاب.ونظراً لأن الإرهاب بات ظاهرة عابرة للحدود وتحول إلى خطر يهدد العالم بأسره، فإن التصدي له أيضاً يجب أن ينبني على إسترتيجية عالمية موحدة ومجدية، أي إن الجهود الدولية الموحدة تحت مظلة منظمة الأمم المتحدة وإعطاءها دور الريادة أمر في غاية الضرورة.

◄ التنمية المستدامة

◄ مضى على استقلال طاجيكستان 23 عاما.. كيف تسير الاصلاحات وما هو المسار الديمقراطي في البلاد؟

► خلال الـ23 سنة من الاستقلال استطعنا أن نحقق التنمية المستدامة لوطننا وأن نعلي مكانته على الساحة الدولية وأن نرسخ دعائم دولتنا المستقلة الفتية وإن كانت المشاكل والعوائق الجسام تعتري مسيرتنا.. وإن طاجيكستان تولي كل العناية والاحترام لمبادئ حرية التعبير وحرية الاعتقاد وحرية الرأي والتي تعد من ركائز الدولة الديمقراطية.

وانطلاقاً من معايير دستور جمهورية طاجيكستان يشارك المواطنون بحرية وعلى نطاق واسع في الحياة السياسية والاجتماعية وإدارة الدولة، فضلاً عن التطور المطرد الذي تشهده المسيرة البرلمانية الوطنية في الآراء والأفكار.

كما أننا أنجزنا خطوات مشهودة إلى الآن لتطوير النظام القضائي وإعلاء موقع السلطات القضائية وتحقيق سيادة القانون في المجتمع، وذلك بجانب عملنا الدؤوب والناجح لتنفيذ البرنامج الحديث للإصلاحات القضائية والقانونية.

وفقاً لتقييم الخبراء الدوليين يعتبر الإعلام في بلادنا متقدماً اليوم من ناحية حرية التعبير مقارنةً بكثير من الدول. وإن حرية وسائل الإعلام في مزاولة نشاطها تمثل واحدا من أهم ملامح تطور المجتمع الديمقراطي والمدني في بلادنا.

والعمل الذي تقدمه مؤسسة طاجيكستان المفوضة لحقوق الإنسان جدير بالإشادة. واليوم تحتضن طاجيكستان أكثر من 300 منظمة أهلية غير حكومية وأكثر من 4 آلاف مؤسسة دينية، بما في ذلك 74 مؤسسة دينية غير إسلامية، و8 أحزاب سياسية و400 صحيفة ومجلة (250 منها مستقلة)، و44 محطة إذاعية وتلفزيونية 28 منها مستقلة.

ولمؤسسات المجتمع المدني دور بارز جداً في تنمية البلاد. ونتيجة للتعاون البناء القائم بين الدولة والمجتمع المدني تهيأت الأجواء المناسبة لمناقشة وبحث سبل تسوية القضايا الشائكة في حياة المجتمع.

◄ مشروعات مشتركة

◄ سؤالنا الأخير معالي الوزير.. كيف تستشرفون شخصيا علاقات بلادكم مع قطر وما هي آفاق التعاون التي ترون انها تمثل أولوية للجانبين خلال المرحلة المقبلة؟

► فخامة الرئيس إمام علي رحمان رئيس جمهورية طاجيكستان يؤكد دوماً أن توطيد التعاون البناء مع بلدان العالم العربي ومنها دولة قطر يعد من أولويات سياسة طاجيكستان الخارجية.

وهناك مجالات ذات أولوية من شأنها أن تجذب استثمارات قطر نظراً لحيويتها وتنامي الحاجة إليها، مثل مشاريع إنشاء المحطات الكهرمائية وخطوط نقل الطاقة وإقامة مؤسسات مشتركة في التعدين واستخراج المعادن وقطاع السياحة والزراعة.. إلخ. ونحن نتطلع إلى تنمية علاقاتنا المتعددة المناحي مستقبلاً لتعود بالنفع المنشود لصالح الجانبين.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x